اقتصاد

نقطة ساخنة استثمار ما بعد الانتعاش

من وحي الأزمات تُستلهم الأفكار، ومن التجربة تولد، لكن أحياناً تكون الفكرة قائمة وأدواتها أمام الناظرين بينما تشيح عنها البصيرة، إما لقلّة دراية، أو لعدم اكتراث بالمهم، لأن الأهم هو التركيز على الكسب الكبير أو الغرق في الجزئيات الصغيرة.
وطالما بحّت الحناجر من المناداة بأن يتم تحقيق للقيمة المضافة عند التفكير في تحديد مصير زراعاتنا، واستثمار مراحل إنتاجها عبر زيادة سلاسل القيم المضافة، لتنتهي إلى نتيجة مرضية للمزارع وللتاجر ولخزينة الدولة، بقي التفكير الأعرج مراوحاً في مكانه لقلة ثقته في خوض السباق وبلادته من جهة، وتجديد القيود الموضوعة في أرجله التي تعيق سيره إن أراد المضيّ من جهة أخرى.
فرغم الإقرار والمعرفة بأن بعض زراعاتنا تتم سرقته بشكل أو بآخر، وتصديرها “دوغما” لتتم تعبئتها وتغليفها وتصديرها من جديد، فتحصد هذه الدول تعب المزارع وتفوز على حساب خيبة الذين لم يستطيعوا حتى الآن استثمار خيرات أرضنا بدل تقديمها مجاناً لدول تقطف الثمار وتتلذّذ بطعمها.
أما المتربّع على رأس هذه الزراعات “العاثرة الحظ”، فهو محصول الزيتون، الذي التفتت إليه عيون التجار”الجشعة” خلال الموسمين الماضيين، وفتحت “رزيته” شهية المزارع القليل الدراية للربح المفاجئ، لكن ما أخذ باليمين منح بالأخرى لدول مجاورة عرفت قيمته أكثر منا وصدّرته باسمها، ورفعت سعره في أسواقنا بعد أن سلبته بإرادتنا، في حين استقر الربح الأكبر في خزانتها، وفوّتته على “خزانتنا”.
وعلى اعتبار أن وزارة الزراعة تقر بأن الزيتون أصبح خياراً أساسياً للمناطق الجافة ونصف الجافة والهامشية لكونها تضمن شكلاً مستداماً لاستخدام الأرض وتحدّ من الهجرة إلى المدن، إضافة إلى ما تقدّمه للمدخلات الصناعية والمساهمة في التصدير وتوفير القطع الأجنبي، علماً أن شجرة الزيتون تشكل ما يقارب 66% من إجمالي الأشجار المثمرة في القطر، وتغطي ما يصل إلى 11.54% من المساحة المزروعة فيها وتساهم بنسبة 28% من الإنتاج الكلي للأشجار المثمرة، أما عدد الأسر التي تعمل بشكل مباشر أو غير مباشر في خدمات الزراعة والقطاف والتصنيع والتجارة فيقدّر بنحو 600 ألف أسرة.‏
و” تزف” لنا بشرى بأن زراعة الزيتون تؤمّن دخلاً تقديرياً سنوياً يصل إلى حوالي 48 مليار ليرة، في حين بلغت قيمة إنتاج الزيتون في القطر وفق الأسعار الرائجة للموسم الزراعي الماضي نحو 90 مليار ليرة سورية، …فلماذا لا توضع خطط استثمار آجل وفق استراتيجيات تحقيق قيم مضافة، ولماذا نكتفي بالترويج لهذه الأرقام دون أن نعمد إلى زيادتها رغم العلم أن هذه الزراعة إذا ما استغلت بالشكل الأمثل ستسجّل أرقاماً مضاعفة لهذه المفصح عنها..!؟.
سامية يوسف
samiay@gmail.com