ثقافة

العجّة المستحيلة

الانكليز يعتقدون، وباختصار شديد، أنّه لا يمكن صنع العجّة دون كسر البيض، ثمّ يمضون إلى غايتهم دون جدال عقيم، أمّا العرب، وفي ربيعهم الافتراضي الراهن، فيختلفون في سعر البيض، وحجمه، ولونه، ومصدره: من الدجاجة المستكينة، أم من الديك الملقّح الصيّاح، وما طبيعة العلف؟ من الحقول أم من المزابل؟ مستورد أم محلّي، عضوي طبيعي أم كيميائي مركّب؟ صالح أم فاسد، والأبعد من ذلك كلّه: هل أكل العجّة حلال أم حرام؟.. تبقى البطون خاوية في انتظار (العجّة المستحيلة) بعد أن عمد بعضهم إلى ذبح الدجاجة (بعد التكبير طبعاً)، الدجاجة التي يظنونها تبيض ذهباً كي يغنموا بأكبر طبق عجّة استثنائية في العالم، ويدخل موسوعة غينيس، مع العلم أنّ الدجاجة لم تبلغ سنّ الرشد، وإعطاء البيض، ومنهم من يقول إنها ليست موجودة أصلاً، بل هي ضرب من ضروب خيال “الثوريين” الحالمين، يجب التذكير بأنّ قنّ الدجاج هو دوماً عرضة للثعالب المتربّصة، والأفاعي الزاحفة في غفلة من حرّاس المزرعة، عفواً هل قلنا (مزرعة)؟ لعلّها كذلك في نظر بعض الحكّام الجدد، ومحاصصاتهم الوزاريّة المبنيّة على الإقطاع السياسي، والولاءات التي تجاوزت التحزّب حتى وصلت إلى حدّ الشخصنة، وتقديم فروض الطاعة والولاء لأهل النعمة الحديثة.. أظنّنا بقينا في القنّ أكثر من اللازم، ولن نخرج منه إلاّ بعد أن نطمئنّ على دجاجاته اللاتي نتف ريشهن المدّعون والمزايدون من (ديكة الثورة الجدد) الذين يعتقدون أنّ الفجر قد انبلج لمجرّد صياحهم من فوق مزابل التاريخ، لن نجلس إلى مائدة (العجّة العربية الموعودة) إلاّ بعد أن تكسر عظام الثعالب، وبنات آوى، ويذهب الحرّاس المزعومون إلى ديارهم، فيريحون ويستريحون، كما هو حال ما يعرف بـ (لجان حماية الثورة في تونس)، وهي ميليشيات جنّدتها حركة النهضة المقبورة، وقد حاولت من خلالها التسلّل إلى مؤسسات المجتمع المدني، والإجهاز عليها وعلى مكتسباتها مثل كلمة حقّ يراد بها باطل، لن ننعم بهذه (العجّة) التي كسرنا فيها بيضاً ووقتاً كثيراً إلاّ بعد أن يأخذ منّا الجوع مأخذه، الجوع إلى الحوار على حدّ تعبير الراحل سعدالله ونّوس، والذي بتنا في أمسّ الحاجة إليه أكثر من أيّ وقت مضى، بعد أن تكلّمت لغة الشتائم، والتخوين، والتهديد، والتكفير والعصيّ، وحتى السلاح، والاغتيال السياسي.. يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: كيف ستؤكل وتقتسم هذه العجّة التي لم تحضر بعد، ومن سيعدّها؟ هل ستختلط عليها أيادي الطهاة فتفسد، وما البهارات التي سوف تذكّيها وتنكّه مذاقها؟ شرقية أم غربية، يمينيّة أم يساريّة؟ هل ستؤكل بالشوكة والسكّين أم تلتهم بالأكفّ والأصابع على طريقة السلف؟ ولماذا العجّة من أصلها؟! أليست أكلة العزّاب والمستعجلين والفقراء؟! أعتقد أنّ البيض العربي المهدور لم تصنع منه عجّة، بل (تورتة) قالب متعدّد الطوابق والجنسيات من “الكاتو” بلون علم البلاد، ودماء الضحايا والشهداء، يقطعه العرّابون الجدد تحت تصفيق المدعوين، وفي غفلة من أصحاب العرس الحقيقي الذين يكتفون بجلي الصحون ويتخاصم بعضهم على بقايا الوليمة في ليلهم المعسعس، وقبل فجرهم الذي لم يتنفّس، المقاربات بين الربيع العربي والبيض المكسور والمهدور والفاسد والصالح لا تنتهي، ويبقى حالنا مثل السيدة التي أرادت أن تصنع قالباً من الكاتو على صوت وصفة أسطوانة مشروخة منذ زمن بعيد: (اكسري بيضة، اكسري بيضة، اكسري بيضة، اكسري بيضة…. إلخ، والكيل يطفح، ثم يطفح، ويطفح حتى لا يبقى لدينا بيض فاسد نرشق به الخطباء الجدد.
طبخة الحصى في قدر الربيع العربي المزعوم وحكوماته الضاحكة على شعوبها لم تعد كفيلة بإسكات الجوع وطمأنة المنتظرين، لأنّ الحصى يأكله الدجاج الثوري الذي لقّحه ديكة المزابل، فينجب بيضاً فاسداً مازال في كل زمان ومكان صالحاً لرجم الطهاة الفاشلين والمعارضين الكذّابين، والزعماء الدجّالين.

حكيم مرزوقي
hakemmarzoky@yahoo.fr