محليات

بين قوسين قصة قصيرة جداً

يُحكى أن مواطناً من ذوي الدخل المحدود، والحيل المهدود، تعثر يوماً بفانوس علاء الدين، ولما حاول تنظيفه من غبار الأيام والأزمان، هدر شيء ما داخل الفانوس، وانطلق من فوهته كالبركان.. وعندما استوت صورته قال مارد الفانوس: تمنَّ واطلب يا سيدي، فأنا خادمك المطيع، ولسوف ألبي لك ما تطلبه، وبقدر ما أستطيع.. فما كان من المواطن الفقير، الذي أذهلته المفاجأة، وأتعبه التعتير، إلا أن أعطى المارد قائمة من الطلبات وانتظر منه الإشارة..
المارد طار مسرعاً إلى السوق.. وصاحبنا المنتوف فرحاً إلى أم العيال، وروى لها ما جرى في الطريق، وأن المارد قادم وراءه بما لذّ وطاب.. ومرت اللحظات كالدهور، وانتصف الليل، وانتشر الديجور، ومازال المُنتظر غائباً عن العيون التي أثقلها التعب والسهر، وعند خيوط الفجر الأولى سمع كل من في البيت صوت قدوم المارد، والذي لم يترك المجال لسيده بالكلام فقال:
-اتّق الله يا رجل.. إلى أين أرسلتني؟ وما الذي طلبته في هذه القائمة العجيبة الغريبة، فلقد بحثت في كل أسواق العرب والعجم لكنني لم أهتدِ إلى الأسعار التي طلبت مني الشراء بموجبها، فنشرة الأسعار التموينية التي أتحفتني بها لم تكن سوى ضرب من الخيال، فهي في وادٍ وأسعار السوق في وادٍ آخر، ولأعطيك مثالاً: الخيار سعره بالنشرة 65 ليرة يباع في السوق85-100 والليمون سعره 165 ليرة يباع في السوق بـ 220-225 ليرة، وقسْ ذلك على جميع المواد والسلع، وحسب كل سوق ومنطقة؟! يا أخي منشان الله خذ قائمتك واتركني بهمي، وأرجعني إلى فضاء فانوسي الأرحب من فضائك المسوّر في كل زاوية بسقوف تضغط على الأنفاس، ولا تورث غير وجع الراس..
وهنا التفت المواطن المغلوب على أمره إلى زوجته، وبعد أن أمر المارد بالرجوع إلى الفانوس، قال لها: هل أرضيت غلبتك، أخجلتنا أمام الأغراب.. من أين أتيت لي بقائمة الأسعار هذه، ومن اعتمدها؟!.
أجابت الزوجة بكثير من الاندهاش: إنها من شاشة التلفزيون فلقد نقلتها بالتفصيل عن نشرة الأسعار التموينية التي يضعونها صباحاً.
وهنا هبّ الرجل مسرعاً لغسل وجهه من غبار الفانوس والأحلام والسهر المضني، ودون تعليق لبس ثيابه على عجل، قاصداً باب رزقه، بينما غفا المارد غفوته الأبدية داخل القمقم، وسارعت الزوجة إلى إطفاء التلفزيون، عندما بدأت الشاشة بعرض قائمة أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية.. ولسان حالها يقول:
– بلا تحديد أسعار وبلا شحار.. يا سيدي وبلا سوق.. وبلا…؟!.
-«عذبنا المارد المسكين، والحق عالتموين».
وفجأة همهم المارد من داخل قمقمه: ما هذا الحظ التعيس الذي أوقعني أنا والفانوس بيد هذا المنحوس ابن المنحوس؟!.

محمد الآغا