اقتصادتتمات الاولى

الزيادة المرتقبة في الرواتب والأجور مؤشر قوي على تحسّن مرصود في النموّ الاقتصادي مصادر لـ“البعث”: “المالية” أنهت دراسة مسوّدة مشروع قرار الزيادة الوشيكة

جميع التكهّنات الراهنة تميل إلى إمكانية إقرار الحكومة زيادة رواتب وأجور العاملين في الدولة بما يقارب خمسين بالمئة، ومن المرجح أن تتم الزيادة مطلع شهر آب المقبل، مصادر مطلعة في وزارة المالية السورية كشفت لـ”البعث” أن الوزارة أنهت دراسة مسوّدة مشروع قرار الزيادة.
وما رجّح كفّة تحوّل شائعات “الزيادة” إلى حقيقة، القرارات المتتالية لوزارة التجارة الداخلية برفع الدعم الجزئي عن الخبز ومن ثم السكر والرز التموينيين، مع الترويج لرفع سعر لتر المازوت خلال الأسبوع الجاري، وهذا ما دفع الاقتصاديين إلى الأخذ باحتمال رفع الرواتب بهدف تحسين الوضع المعيشي، إضافة إلى أن التضخم البالغ معدله نحو 140% -حسب بيانات صادرة عن جهات اقتصادية خاصة- الذي أكل قيمة الليرة السورية وخفّض بالتالي من القدرة الشرائية للمواطن، عدّ سبباً أكثر منطقية لتوجّه الحكومة إلى إعادة النظر بالرواتب والأجور.
دلائل
في جميع الأحوال، هي زيادة مطلوبة وضرورية في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الجميع دون استثناء، وستسهم في تحسين الأوضاع المعيشية لكن مع ضمان الحكومة ألا يرافق هذه الزيادة ارتفاعٌ في أسعار السلع الرئيسية، والحرص على ضرورة تأمين انسياب المواد والخدمات إلى الأسواق، بقصد عدم ترك مساحة أمام التجار والمنتجين للمناورة وانتهاز الفرصة، الساعين دائماً في كل زيادة إلى رفع أسعارهم لامتصاص السيولة الجديدة وإدخالها إلى جيوبهم كما في كل مرة، وبذلك نضمن مردودية هذه الزيادة على المواطن والاقتصاد الوطني.
كما أن لقرار زيادة الرواتب في الوقت الراهن مدلولات اقتصادية مبشرة قد يكون أهمها على الإطلاق.. التطور الإيجابي الملموس كماً ونوعاً الذي رصدته الحكومة في الإنتاج وفي حركة التصدير، لأن أي زيادة في الرواتب مرتبطة ارتباطاً “حسابياً” بالنمو في هذين المجالين، وقد سعت الحكومة إلى تعزيز الإنتاج في القطاعين العام والخاص، وخاصة على مستوى التشريعات والقوانين، وبدا ذلك واضحاً منذ منتصف العام الماضي.
إن الغلاء الفاحش الذي التهم كلّ مدخرات السوريين ودفع الحكومة في العام الفائت إلى إقرار زيادة في الرواتب “آخر زيادة تقرّها الحكومة” كان وراءها ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، إذ وصل سعر الدولار إلى أكثرَ من مئتي ليرة، فأتت الزيادة لتخفّض معدل التضخم وترفع من القدرة الشرائية للمواطن.

التضخّم
إلا أن الزيادة المتوقّعة القادمة هدفها تحسين الأوضاع المعيشية، على اعتبار أن مستوى أسعار جميع السلع والمواد بقي ثابتاً نوعاً ما، وذلك منذ آخر زيادة، ومن هنا نستنتج أن ثمة تحسناً واضحاً تلمّسه المسؤولون في الحكومة في مؤشر النمو الاقتصادي، دفعهم إلى دراسة الزيادة والنسب الممكنة حيث تتوافق مع النمو الحاصل.
ولو افترضنا جدلاً أن الحكومة تسعى إلى تمويل زيادة الرواتب بالعجز عبر الاقتراض الخارجي أو الداخلي أو طرح سندات الخزينة أو بيع القطع الأجنبي، فكل ذلك سيؤمّن سيولة ولكنها ليست ناتجة عن نموّ في الاقتصاد الوطني، وعلى عكس ما نتمناه ونرغب به، هذا سيساهم في زيادة معدلات التضخم وتفاقمها في المحصلة النهائية، ما سينعكس سلباً على مستويات معيشة السوريين عاجلاً أم آجلاً؟!، علماً أن مرسوم زيادة الرواتب للعاملين بالدولة الذي أقرّ في حزيران العام الماضي، حدّد في مادته الأولى: الزيادة بـ40% على الـ10 آلاف الأولى من الراتب أو الأجر الشهري، و20% على الـ10 آلاف الثانية و10% على الـ10 آلاف الثالثة، و5% لما يزيد على الـ10 آلاف الثالثة؛ وقبلها زيادة تزامنت مع بدء الأحداث والاضطرابات وذلك في الربع الأول من عام 2011، قضت بزيادة الرواتب والأجور الشهرية المقطوعة 1500 ليرة للراتب المقطوع، تضاف إليها زيادة قدرها 30% من الرواتب والأجور المقطوعة دون الـ10000 ليرة شهرياً، وزيادة قدرها 20% من الراتب أو الأجر الشهري المقطوع البالغ 10000 ليرة سورية فما فوق.

إنفاق
ومن خلال كتلة الرواتب والأجور السنوية لموظفي الدولة، البالغة نحو 609 مليارات ليرة سورية –حسب بيانات وزارة المالية- بالإمكان حساب تكلفة ما ستنفقه الخزينة العامة في حال إقرار زيادة نسبتها 50% حيث ستصل إلى 305 مليارات ليرة، وحسب وزارة المالية أيضاً، كانت تكلفة زيادة الرواتب لموظفي الدولة في عام 2010، وبنسبة لا تزيد على 20%، تتطلب إنفاقاً يزيد على 44 مليار ليرة، أما الآن، وبعد زيادة الرواتب في عام 2011 و2013، و2014 “إن صدق المنجّمون” فكم ستكون تكلفة تلك الزيادة على الخزينة العامة اليوم؟.
منذ أسابيع، والشارع السوري يتحدث عن زيادة مرتقبة في الرواتب والأجور بنسبة 50% وهذه “الشائعات” مصدرها حتى اللحظة شريحة الموظفين، الراغبين بها حقاً، ويسوّق لها “تجار ومنتجون” على اعتبار أنها عائدة لهم أولاً وأخيراً -من وجهة نظرهم طبعاً- متناسين في الوقت ذاته أنه انتصار وهمي سيسقط مع ضبط واقعي للأسواق، فالزيادة في الأجور سيتبعها ارتفاع في الطلب وبالتالي زيادة أفضل في الإنتاج وبالمحصلة نموّ في الاقتصاد الكلي.
وليس بالإمكان سوى التحذير من تآكل هذه الزيادة “المتوقعة” وعدم تحقيق جدوى اقتصادية منها في حال حدوث ارتفاعات كبيرة طارئة ومفاجئة في الأسعار؟!.
دمشق – سامر حلاس