محليات

سُمْ “أسوة بالجوار”

لا أدري لماذا كل هذا التشبّث والإصرار الذي يبديه “تجارنا وصناعيونا المخضرمون” بالتشبه والتمثّل بقوانين الدول المجاورة، والأخذ بنصوصها وموادها على أنها “قدوة حسنة”؟؟!! فكلما حزمت الحكومة أمرها باتجاه تعديل تشريعي ما.. وكلما “دق الكوز بالجرة”، نسمع النغمة نفسها ومفادها اعتماد ما يطبقه الجوار، وكأننا أمام قانون مثالي يمكن تبنيه دون تردّد وفق التوجه الذي تظهره الفعاليات الاقتصادية والتجارية ورجالات القطاع الخاص دون استثناء!.
من نافل القول إن إعادة قراءة تشريع الغير والاستئناس به، ووضع قوانيننا على طاولة المقارنة به ومن ثم الأخذ بالنص الأفضل وتلافي غير المناسب يعدّ إجراءً ميموناً في سياق البحث عن صيغ ومواد أكثر ديناميكية وليونة ومرونة، والأهم تنسجم مع مصالح الأطراف وتحقّق الرضا عند أقطاب التنفيذ والمستفيدين منه، لكن ثمّة ما يزرع الشكوك في ماورائيات ارتماء بعض الفعاليات في عسل المعمول به عند الدول الأخرى ولاسيما الجوار منها، فهل في العناد هذا غيرية واندفاع لجلب الوصفة الأفضل؟، أم إن المسألة لا تعدو عن كونها تقليداً أعمى مفاده أن كل ما يختاره الغير يعدّ الصواب بعينه دون أدنى مراعاة للخصوصية والحالة والواقع المحلي الذي لا ينفع معه استيراد الجاهز بل تطويعه وإعادة إنتاجه بشكل يتناسب مع سلة القوانين والأنظمة المعمول بها على مستوى البلد والسلطات، والأهم الأخذ بمسطرة الثقافة والوعي والمجتمع والتقبل القائم على العادات والتقاليد، وقبلها تمرير النصوص على الفلترة الروحية والدينية والنفسية؟!.
في قراءة أرشيفية لدعوات ومطالب الصناعيين المتعلقة بهذا الشأن نجد الكثير من الوثائق التي تتضمن “نقاً ” على اعتماد هذه التجربة أو تلك، ولاسيما “فوبيا الجوار” الذي ينظر إليه البعض على أنه “نورم” علينا الأخذ به. وهنا يسأل سائل: هل هذا النورم تركي مثلاً أو أردني أو لبناني أو خليجي ومصري.. ووو..، وللأمانة كلها كان للمشرع السوري تجربته في الاستدلال بها وبحكم الخبرة تكونت قناعة أن هناك من يحاول جاهداً تمرير مشروع غير نظيف في توطين نموذج طبق الأصل مع بعض الجوار المعادي لا بل والاستعماري والحرامي “كالتشريع التركي” غير المرغوب عند الشارع وصانع القرار معاً وفي بقية الدول حتى العربية منها لا يمكن الجزم بأن كل ما يطبق هو الصح، وليس كل ما ينطبق على واقعهم ينطبق على واقعنا في الظروف الموضوعية والقاهرة؟؟.
هي رسالة لمن يجتهد في سبيل تطعيم القانون بنكهات غريبة أو تحوير هوية التشريع المحلي إن كان اقتصادياً أم اجتماعياً أو تجارياً أو ثقافياً أو خدمياً.. تنبّهوا واستفيقوا فإن للقوانين حصانتها ووطنيتها الخالصة التي يجب حمايتها من الغزو الذي ربما يجعلها في يوم من الأيام أداة طيّعة بيد من دسها ليسهل تحقيق النوايا والأهداف الخطيرة التي تخدم الغير الخطير لا المواطن والدولة الوطنية بقوانينها “البلدية” غير الإفرنجية؟!.

علي بلال قاسم