محليات

مفارقة ومراهقة مونديالية.. “ضجيج وكهرباء وشهداء”

.. وأخيراً انتهى صخب المونديال، ذلك العرس الكروي العالمي الأشهر، وأقفلت ملاعب واستادات البرازيل الخضراء أبوابها لترتاح الكرة الأرضية من ضجيج اللاعبين وصياحات المشجعين في ظاهرة هي الأندر.. فما فرقته السياسة هنا تجمعه “الطابة”، وما شتّتته الأزمات والحروب بين أبناء البلد الواحد تحوّل إلى جامع لمؤيدي هذا الفريق أو ذاك!.
على إيقاع عقارب المونديال تحركت الشوارع والأسواق، واشتعلت الحواري والبيوت بحرارة التفاعل والانفعال لدرجة نسي الكثيرون أن البلد مازال ملتهباً بالأحداث الجسام ومسلسل القتل والتفجيرات والقذائف والعطش والجوع مازال مستمراً، وبدا المشهد المألوف تهافت جموع المشجعين لفرق الدول المشاركة على المطاعم والمقاهي ومرابع المشاهدة ومتعة الحماس والتشجيع، فصاحب الحظ الذي يجد له ولعائلته مكاناً على طاولة ليبتهل حظوظ فريقه ومراهنات مرافقيه.
هي صورة شهدتها أجواء الألعاب برفع أعلام الدول المشاركة على شرفات المنازل والسيارات، ومعروف كم للأعلام حساسياتها ودلالاتها في زمن الحرب الكونية. فأعلام مثل الأرجنتين والبرازيل قد تكون مقبولة عند الشارع المسيّس، لكن الذي يثير الدهشة والاستغراب أن ترى أعلاماً لألمانيا أو إسبانيا وفرنسا وكلنا يعلم الدور الذي تمثله هذه الدول في العدوان على بلدنا.
في ميدان المنافسة الكروية ثمّة سوق وتجارة واستثمار وربما انشقاقات وخلافات حصلت داخل الأسرة الواحدة وفي أجواء العمل مع تحول ليل الأحياء إلى ضجيج ليصل الحال بالسواد إلى تمني أن تنتهي المباراة نصف النهائية والنهائية في الوقت المخصّص بلا تمديد أملاً براحة الرأس من كل هذا العويل والصراخ.
الكهرباء كانت المنغص والهمّ الوحيد ولاسيما خلال الثلاثة أسابيع الماضية ومع ذلك كان للسوري المجبول بالأزمة لأكثر من ثلاث سنوات “استراحة محارب مجتزأة” مطعمة برفع أسعار الخبز والسكر والرز, علماً أن الفرق الوطنية لم تحلم في يوم من الأيام بالوقوف في سباقات من هذه الدرجة، وكل ما نقوم به لا يعدو عن كونه لهاثاً وراء الآخر وتعلقاً بعربة خواجات الكرة وعرابيها؟!.
هي مفارقات لمسناها في يوميات المونديال، لا تدلّ إلا على سطحية البعض ومراهقة أصحاب العقول، إنها حمى وكريزا كرة القدم التي ضربت أطنابها في حياتنا المكتنزة بالدمار والخراب والدماء، لدرجة البكاء على خسارة هولندا وكسر شاشة التلفاز على إخفاق الأرجنتين وحرق النفس لولا تدخل أهل الحي عندما خسرت البرازيل، فهل تستحقُ المسألة كل هذا “الجعير” والنحيب وعشرات الشهداء يزفون يومياً بعدما ضحوا بحياتهم وتركوا أولادهم في وقت يستمر الذبح والقتل والتخريب والتهجير؟؟.
نشجع الرياضة والرياضيين ونعلم أن لكرة القدم لذة خاصة لعشاقها ومتابعيها، ولكن أن تصل لهذه الدرجة فإن هذا هو الغريب، فماذا لو أنفقنا نصف اهتمامنا وأموالنا على أسر الشهداء بدل لعنة المونديال؟؟.
دمشق– كنانة علي