محليات

بين قوسين منظومة المستحق والمستفيد!

يبدو أن هناك قراراً اتُخذ لإعادة هيكلة منظومة الدعم وترشيدها لمصلحة الفقراء ومحدودي الدخل، بدلاً من المنظومة المتآكلة التي رجحت كفة الأغنياء وحوّلت بوصلة المنفعة لصالح من لديه القدرة على الإنفاق أكثر، سواء على الصعيد (الفردي، أوالتجاري والصناعي) وبشكل أدى إلى زيادة الفاتورة التي تشوّهت معها الهيكلية المالية والاقتصادية من جهة، وغيّبت العدالة الاجتماعية من جهة أخرى، وطبعاً بعض تفاصيل هذا القرار الذي نعيشه هذه الأيام تتوافق تماماً مع مضمون الاعتراف الشعبي والإقرار الرسمي بضرورة إعادة هيكلة منظومة الدعم لترشيد النزيف المالي والاقتصادي الذي يتفاقم ويزداد عاماً بعد عام.
وبكل تأكيد كلامنا هذا ليس من باب التبرير لأي جهة كانت أو لوضع ما يخطّط له في خانة المطالب الشعبية والتجميل الإيجابي، ولكن من باب الواقع والتحليل المنطقي والعقلاني للوضع الحالي بعناوينه السوداوية الناعقة بالفقر والعوز والحاجة وقلّة موارد الخزينة العامة في أيام وشهور الأزمة التي نالت من لقمة عيش الناس وخنقت حياتهم بالعقوبات الاقتصادية الظالمة بلغاتها المختلفة وسياساتها الداعمة للإرهاب.
وبقراءة متأنية لمواقف وآراء الناس حول هذا التوجّه نخلص إلى حقيقة تقول: إن تخوف الناس من تداعيات أي قرار خاص بترشيد وتقنين منظومة الدعم وترجمتهم الحالة الاقتصادية العامة من خلال واقعهم المعيشي ودخلهم الشهري فقط دون الإحاطة بالعوامل المؤثرة في صياغة القرار الاقتصادي يعود إلى قلق الشارع من جر هذه المنظومة لمنفعة البعض وتجريدها من أهدافها وضياع حقوق مستحقيها في متاهة المعادلات الرقمية، وتخوفهم هنا يختلف تماماً عن نهج الطعن في أبوة الدولة والتشكيك في صوابية توجهاتها الذي يتبناه الكثير من أصحاب النظريات الاقتصادية الذين اعتادوا على ترويض الواقع الاقتصادي والحياتي في حلبة التنظير الأحمق الذي تتساقط عناوينه البراقة في مواجهة استمرار سياسة دعم العديد من المنتجات كالمازوت والكهرباء والخبز والأرز والسكر.. وغيرها، ضمن حاضنة الاقتصاد الحربي التي نعي جميعاً تداعياتها الكارثية على بلدنا.
إذاً حاجتنا اليوم لا تقتصر على توفر الوعي الشعبي لمواجهة تحديات كبيرة بل إلى قرار جريء متكامل واضح الخطوات وضامن للحقوق من بوابة إيصال الدعم لمستحقيه وتقليم تلك المخالب العابثة بقوت الناس، خاصة وأن هوية الجهة الأكثر دفاعاً وتمسكاً بالدعم لا تقع في خانة المستحق بل هي جهة مستفيدة اعتادت على اجترار الشعارات وشفط المكاسب والتلويح دائماً بقرع جرس الجوع والفقر لمنع تنفيذ برامج العدالة الاجتماعية. وبالمحصلة نقول: قد يؤجل اقتصاد الأزمة وقلّة موارده الحاجة الماسة لتحسين الدخل ليتناسب مع المؤشرات المعاشية الحالية، إلا أنه يفرض ضرورة الحزم في المساءلة والمحاسبة!.

بشير فرزان