ثقافة

الفـن التشـكيلي وتداخلاتـه مع الفنـون التطبيقيَّـة الفنان أحمد رمضان العلي نموذجاً

قال الفنان التشكيلي الفرنسي (تولوز لوتريك): يستهويني الفنان أنه يعيش في فنِّه، يعيش في الأغنية التي يغنيها، أو الرقصة التي يرقصها، أو الدور الذي يمثِّله، بحيث يتحوَّل في لحظات اندماجه إلى كائن يختلف عن الكائن العادي..) ومن هنا نقول: إن التفكير في تحويل أشياء بسيطة وصلت إلى حالة من التلف، يمكن ليد فنان غير عادي أن يصنع منها قطعاً فنيَّة ذات قيم كبيرة، وهذه الحالة نجدها عند الكثيرين من الناس المغمورين، فما علينا إلا إلقاء الضوء حيثما بزغت تلك الإبداعات.
وكانت رابطة الشهيد (طاهر أمير داش) قد أقامت معرضاً إنتاجيَّاً لمعسكر الشبيبة التدريبي في مقرِّها في مدرسة (محارب الأحمد) ضمَّ عدداً من القطع الفنيَّة التطبيقيَّة التي تدلُّ على التراث والأصالة، وحب الوطن، بأسلوب متقن ودقيق، بإشراف الفنان (أحمد رمضان العلي)، وبحضور فعاليات رسمية وشعبية.
والفنان التشكيلي (أحمد رمضان العلي) يعرف كيف يصوغ بخبرته الكبيرة من أشياء بسيطة قطعاً فنيَّة قد لا تخطر على بال، مستخدماً بذور حبَّات التمر والزيتون وقطع النحاس وألواح الزجاج والخشب، يشكِّل منها قطعاً فنيَّة لافتة، متحدِّياً بذلك كل الصعوبات التي تعترضه من ضيق في المكان، والتكلفة الماديَّة، وما إلى ذلك.
تستوقفك قطعة فنيَّة لبناء قروي بسيط بشجرته النافرة وبابه المتحرِّك ونوافذه الوطيئة ليعبر بك عبر مداخل الذاكرة إلى قريتك بألوانها المنسجمة، حاملاً إليك بساطة المبنى ودفئه. كما تشدُّك طريقة صنع الصحون الصينيَّة، تلك الأدوات المتحرِّكة من غير أن يدخل في تركيبها أي مسمار، فقط أسلاك وقطع خشبيَّة بسيطة، جاءت محافظة على لونها الحقيقي بطلاء من مادة (اللكر) الذي يعطي القطعة لمعاناً لافتاً.
إن أهم ما يميِّز المعرض هو ذلك التداخل بين القطع الفنيَّة من حيث الموضوع الوطني، فنلاحظ  قطعة فنيَّة، عبارة عن (قيثارة) جاءت على شكل خريطة سورية، أوتارها ملوَّنة بلون العلم السوري. وقطعة خشبيَّة أخرى تمثل الإنسان، وهو مرفوع الرأس تتداخل معه كلمة (لا) الدالة على رفض العنف، وكل ما حلَّ بنا من أذى نتيجة الأزمة التي تمرُّ بها البلاد.
كذلك يلفت النظر حصان طروادة بما يحمل من بعد تاريخي وفكر موغل بالحيلة والدقة في الوصول إلى الهدف، حاول الفنان من خلاله تجسيد ذلك الحصان باستعماله قطعة خشبيَّة مفرَّغة، مزينة من الخارج بالزهور، ملوَّنة بألوان مذهَّبة زاهية، مما يوحي بحالة الأزمة التي تمرُّ بها البلاد وما تحمل في داخلها من شرور.
هناك ركن خاص لطلبة الشبيبة الذين تدرَّبوا على يد الفنان التشكيلي (أحمد رمضان العلي) بمساعدة الفنانة (يسرى خنسة) فقدَّموا أعمالاً متنوِّعة، تدلُّ على فكر واع واهتمام بالغ بالأعمال الفنيَّة التطبيقيَّة، كما تدلًّ على حبِّهم في اكتشاف مواد جديدة للاستفادة منها في تلك الأعمال. ومن اللافت تقديمهم العديد من الأعمال مستخدمين حبوب الأرز والعدس، وكذلك مادة المعكرونة، مما يدلُّ على أن هناك جهداً ما لاكتشاف طرق للإبداع قد لا تخطر على بال، هناك جماليَّة لافتة في الورود المنسَّقة على ألواح المرايا، بالإضافة إلى طرائق تلوين القطع فقد كانت تخفي خلفها المادة الأساسيَّة للأشكال بشكل جيد.
ومن هنا نأمل بأن تلقى تلك المواهب الرعاية والاهتمام من الناحيتين المادية والمعنويَّة، من أجل تحقيق حالات إبداعيَّة متميِّزة.
سريعة سليم حديد