محليات

بين قوسين أكبر من “الاسترزاق”!

نتفهم سياسة كفّ النظر التي مارستها محافظة دمشق ولم تزل منذ مطلع الأزمة وحتى الآن تجاه السرطان الذي استشرى على أرصفة وشوارع قلب العاصمة وأحيائها التجارية على شكل بسطات وعربات وأكشاك، حوّلت أكثر المعابر حيوية وازدحاماً إلى بؤرة لا مكان فيها لوضع قدم لمواطن راجل، فالتوجه الذي اتبعته الحكومة يقوم على السكوت على مخالفة من هذا النوع ليس لأنها عاجزة عن قمعها وإزالتها، بل لأن في تفشي تجارة الأرصفة وتحويل الشوارع والأرصفة صورة غير لائقة بتاتاً، حتى ولو كانت بمثابة الوجع الذي ترش عليه “الإدارة المحلية” الملح اضطراراً؟!.
لوهلة ترتفع حدة حنق المواطن من تبعات ومنغصات انتشار هذه الظاهرة التي يعرف الجميع أنها استثنائية ولم تكن تحصل لولا تواطؤ الأزمة مع الحالة ككل وتماهيها مع باقي المنعكسات القائمة على الاستثمار السلبي والاستغلال غير المحمود، ومع ذلك يدرك من يتابع ويقرأ ما بين السطور أن “العجز” الذي أشرنا إليه في البداية ينطبق على جزئية أخرى لها علاقة باعتراف غير مباشر بأن هناك عطالة وبطالة لم تستطع الحكومة أن تؤطرها في عمليات تشغيل مضمونة وملبية للطموحات، ولهذا كان التعامي عن هذه التجاوزات تكتيكاً يمتصّ من خلاله جمل الضغط التي يجب تنفيسها بثغرات وهوامش وفرص عشوائية تشكل حلولاً إسعافية ضرورية ولاسيما في ظل ظروف قاهرة تنشغل فيها أجهزة الدولة بكل ما يبقي الوضع مضبوطاً ومسيراً بما يؤمن سبل العيش للمواطن لا محاربته في لقمته بشكل تعسفي كما يتبجح البعض من السفهاء وممن لم “يعضهم الجوع”؟.
للحقيقة يلمس المراقب تراجعاً في تفشي المشهد المعقد من “التجارة المريضة” كما ينعتها أحدهم عبر معالجات تقوم على القضم شيئاً فشيئاً وإيجاد أماكن بديلة وأسواق ثانوية، ولكن ثمة تخبطات تعيد القضية أحياناً إلى المربع الأول إذ لا أحد يلتزم بجغرافيا بعيدة لا يقصدها زبون ولا يمر منها مستهلك، في وقت تتشابك المسائل لتتجاوز فكرة “الاسترزاق” إلى تكوين شبكة تجارة وقبض رشاوى ونسب وعمولات لمتنفذين ومتسلطين ومسؤولين محليين يستثمرون الأرصفة ويؤجرونها لصالحهم وهذه حقيقة لا شك فيها؟؟.
اليوم تشكل بسطات البرامكة أكثر الظواهر شذوذاً، ولا نعرف لماذا الإبقاء عليها رغم خطورتها وسوء وجودها ليس بالمنظر العام فقط بل بكل تفاصيلها ومنعكساتها وفسادها اللا متناهي؟!.
كنا نتقبل تبريراً من قبيل أن هذا الذي ستحرمه من البيع على الرصيف ولا تؤمن له مورد رزق “ربما يصبح مسلحاً” وما مخالفته إلا الشيء البسيط أمام ارتكابات الآخرين وإرهابهم.. ولكن اليوم تكشفت القضية لتظهر الأيدي والأرجل المستفيدة والمتاجرة بهذا الشعار الذي يخدم مصالحهم وجيوبهم فقط؟!.

علي بلال قاسم