اقتصادتتمات الاولى

تراجع عدد رخص البناء مؤشر على انتشار العشوائيات استمرار ارتفاع أسعار الإيجارات والأراضي العقارية وانخفاض الطلب على تملك المساكن

رغم كل الظروف التي تمرّ بها البلاد ما زال مؤشر أسعار العقارات إما مستقراً عند مستوى محدّد أو مرتفعاً وخصوصاً المساكن داخل المدن، مع استمرار ملاحظة تحليق سعر المتر الواحد من أراضي ضواحي المحافظات والأرياف، ويعتبر هذا طبيعياً في ظل عودة الكثير من سكان المدن إلى قراهم وبالتالي زيادة الطلب على الأراضي العقارية التي تضاعفت أسعارها بمعدل ثلاثة أضعاف، وبالدرجة الثانية الأراضي الزراعية.

ظاهرة
إلا أن بيانات الجهات المختصة تشير إلى تراجع في رخص البناء وفي الحركة العقارية، لكن أسعار الأراضي التي يمكن البناء عليها آخذة في الارتفاع، وتحديداً في محافظات طرطوس واللاذقية والسويداء وحماة وبعض المناطق بريف دمشق، التي انتشر فيها السكن العشوائي بشكل لافت، هذا الأمر انسحب على جميع مناطق الريف التي أفلتت من قوانين البناء في المرحلة السابقة وارتفعت الكثير من الأبنية العشوائية التي لم تؤخذ عوامل السلامة فيها بعين الاعتبار، لكن هذا الأمر عاد ليذكّر بموضوع تنفيذ القوانين والمراسيم الصادرة التي من المفترض أن تعالج هذه الظاهرة وأهمها قانون تنظيم العرصات الذي كان يعوّل عليه بضرورة تخفيض أسعار العقارات، لكن هذا لم يحدث على كل حال.
وعزا صاحب مكتب عقاري سبب تراجع شراء المنازل في مراكز المحافظات والمدن إلى أدنى مستوى له منذ عقود، إلى طلب أصحاب العقارات زيادة بمعدل 25% على السعر العادل، وقال لـ”البعث”: إن القطاع العقاري مرّ في أسوأ سيناريو ممكن، وما سيأتي لن يكون أسوأ، مع انتشار الأمن والأمان في أنحاء البلاد كافة، وبالتالي فإن عقاراً يُعرض بسعر عادل، سيجد من يشتريه فوراً.

أسعار
وبنظرة سريعة على أسعار العقارات سنجد أنها تتفاوت بين منطقة وأخرى، حيث يتراوح سعر المتر المربع على الهيكل في ريف دمشق بين عشرة آلاف ليرة وخمسة وعشرين ألف ليرة سورية، أما في داخل دمشق فقد فاق سعر المتر المربع كل التصوّرات حيث يتراوح سعر المتر المربع الواحد من البناء الجاهز بين 70 ألف ليرة ومئتي ألف ليرة في بعض مناطق دمشق، إذ اقتربت أسعار الشقق في الأحياء الراقية في دمشق مثل المالكي والمزة من أسعار نظيراتها في باريس ولندن، فسعر الشقة نحو 100 مليون ليرة على أقل تقدير.
وأشار صاحب مكتب عقاري إلى استقرار في أسعار العقارات السكنية والتجارية داخل المدن منذ مطلع العام الحالي، بينما شهدت السنوات الماضية ارتفاعاً واضحاً، وإن مؤشر تحرّكها باتجاه الانخفاض كما كان متوقعاً قبل الأزمة، حتى مطلع عام 2011، أما الآن فهو غير وارد في المستقبل القريب.. وبسبب تراجع المعروض ودون أن تضع الحكومة حلولاً طارئة سنشهد ارتفاعاً في الأسعار لاحقاً.

رؤية
انخفاض عمليات شراء المنازل وتراجعها عن مستوياتها الخيالية السابقة على حساب الإيجارات، أبقى سوق العقارات في حالة نشطة نتيجة الطلب المرتفع مقابل العرض المتدني، وهو تعبير واضح عن اختلال التوازن بين الكتلة النقدية والكتلة السلعية، وهذا يعني أن أموالاً كثيرة متوفرة داخل البلد لكنها لم توظف في الإنتاج السلعي المادي بل ذهبت إلى أماكن ومسارب أخرى، أهمها شراء الأراضي (في المناطق الآمنة تحديداً) وتوجّه نسبة كبيرة من هذه الكتلة النقدية الكبيرة للادخار بدافع عامل الخوف من المخاطرة، ما حدّ إلى درجة كبيرة من شراء العقارات (مساكن، محال تجارية).
كان قطاع العقارات في السابق يستقطب أكثر من نصف التوظيفات الاستثمارية في سورية وعدّ المحرك الرئيسي لمجمل الحركة الاقتصادية، وفي إحدى الدراسات التي قام بها المركز الاقتصادي حول أزمة السكن في سورية أشار إلى أننا بحاجة إلى 1.5 مليون مسكن لنتجاوز هذه الأزمة، وبالطبع في ظل هذه الظروف يعدّ مستحيلاً حل هذه المشكلة في القريب العاجل، لذا يتوقع أن نشهد زيادات متتالية في أسعار الإيجارات مع تنامي الحاجة إلى السكن، واستقراراً في أسعار البيع والشراء، وبالمحصلة سوق العقارات مرتبطة بمدى عودة الاستقرار إلى المناطق الساخنة التي ستؤدّي حتماً إلى انخفاض الإيجار طرداً مع عدد المنازل العائدة للاستخدام من أصحابها الحقيقيين.

دمشق – سامر حلاس