اقتصادتتمات الاولى

في حضرة الحديث عن الحكومة المرتقبة…معالجة الدعم وإيصاله لمستحقيه كفيلان بالحدّ من الهدر وتقويض رموز الفساد

لعل من القضايا الواجب طرحها ونحن على أبواب حكومة جديدة، قضية الدعم وإيصاله بشفافية أكبر لمستحقيه الفعليين، فحكوماتنا السابقة عجزت عن حل هذه القضية بشكل جذري، فلا يزال الدعم الحكومي بشتى أشكاله غير مرضيّ عنه ومحطّ انتقاد من معظم مستحقيه، وهناك من يعتبر أن الحكومة مقصّرة أشدّ التقصير في هذا الشأن، وعليها إعادة النظر بهذا الموضوع عبر وضع برامج وآليات لرفع المستوى ليتواءم مع متطلبات من يستحقه، علماً أن أرقام الدعم كبيرة جداً وتظهر حجم ما تتحمله الحكومة من خسائر في سبيل تخفيف أعباء تكاليف مواد وخدمات تصل إلى المواطن بأقل من السعر الحقيقي لها.

مذكرة
إحدى المذكرات التي تقدّمت بها هيئة التخطيط والتعاون الدولي إلى رئاسة مجلس الوزراء منذ نحو سنتين، وشارك في إعدادها كل من وزارة النفط والمالية والزراعة والكهرباء والاقتصاد اعتبرت أن نظام الدعم المطبّق حالياً غير عادل وغير متوازن نظراً لكبر حجمه وانخفاض مستوى عدالة التوزيع ومستوى الكفاءة المحققة في استخدامات حوامل الطاقة بكل أنواعها، الأمر الذي أحدث تشويهاً في نظام الأسعار وخلق حالة من الفوضى، إذ تفيد الأرقام أن حجم الدعم المقدّم بمختلف أنواعه يقدّر بـ386 مليار ليرة سورية أي ما يعادل 29% من حجم الموازنة لعام 2012 ويفوق بقليل حجم الإنفاق الاستثماري المقدّر بـ 28% في موازنة عام 2012 أي ما يقارب 13% من حجم الناتج المحلي الإجمالي المقدّر لعام 2012، وما يثير الاهتمام في هذه المذكرة هو تخصيص ما قيمته 154 مليار ليرة للكهرباء في موازنة عام 2012 أي بنسبة 39.9 من الناتج الإجمالي.

نقطة للحكومة
يسجّل للحكومة وفاؤها ببعض من وعودها وخاصة تجاه توافر المواد الأساسية بعد أن عصفت بها تداعيات الأزمة الخانقة من جهة الندرة واحتكارها من تجار الأزمات، ونخص بالذكر مادتي الخبز والمازوت، اللتين حلقت أسعارهما إلى مستويات غير مسبوقة، وقد قامت الحكومة بجهود استثنائية تتوازى بشكل أو بآخر مع حيثيات ما نمر به من مرحلة استثنائية، حيث لجأت خلال فترة الأزمة إلى استيراد ما يزيد على نحو 150 ألف طن من المازوت، وأبرمت لأول مرة في تاريخ الاقتصاد السوري عقوداً لاستيراد نحو 100 ألف طن من الدقيق لتأمين استقرار رغيف الخبز وبالسعر المدعوم، نظراً لصعوبة استجرار القمح من المخازن إلى المطاحن لتزويد الأفران بهذه المادة، لاعتبارات تتعلق بالأوضاع الأمنية الصعبة.

حلقة مفقودة
إلا أن حلقات سلسلة ما بذلته سلطتنا التنفيذية من جهود لم تكتمل، فرغم قدرتها على تأمين هذه المواد إلا أنها لم تصل إلى المستهلك بالسعر المدعوم الذي هو الهدف الأساسي من كل هذه الجهود، ما يعني أن حكومتنا إما عجزت أو تجاهلت البحث عن آليات وسبل يمكن من خلالها تحقيق الهدف المنشود، أو أن كل ما صدر من تصريحات حكومية حول تأمين السوق بما يلزم من مواد أساسية مجرد فقاعات إعلامية!.
وهنا نستبعد الاحتمال الثاني ونرجّح الأول، على اعتبار أنه بإمكان أي مواطن حالياً الحصول على كل ما يحتاج إليه وبما يشاء من كميات كبيرة من هذه المواد ولكن بأسعار السوق السوداء في بعض الأحيان وخاصة مادة المازوت، ما يعني أن الحكومة نجحت في تأمين هذه المواد ولم تفلح إلى حدّ ما بإيصالها إلى المستهلك وتخليصه من ظاهرة الاحتكار وتجار الأزمات، رغم سهولة إيصالها مقارنة مع تأمينها.
مجرّد اقتراح
لن نذهب بعيداً باقتراح حل جذري يساعد مفاصلنا الحكومية على إيصال هذه المواد إلى المستهلك، يتمثل بتوزيع قسائم على المستهلكين تشبه القسائم المعمول بها حالياً بالنسبة لتوزيع المواد المدعومة مثل الرز والسكر، حيث يمكن تعميمها بشكل موسمي بالنسبة للمازوت، وشهري بالنسبة للغاز، ويومي بالنسبة للخبز، وذلك تفادياً لنشاط السوق السوداء، وهنا نستذكر تجربة عام 2009 لتوزيع قسائم لبيع المازوت، حيث يمكن تعديل تلك التجربة ليشتري المستهلك بموجب القسيمة 400 ليتر سنوياً بدلاً من 1000 ليتر، تفادياً للمتاجرة بها كما حصل عام 2009، ولا تصرف هذه القسيمة إلا بختم دفتر العائلة لكل أسرة، فبذلك يتم ضمان استهلاك المادة كما يجب ولغرض التدفئة حصراً، فالمتتبع لواقع السوق يلحظ أن بعض أصحاب الميكروباصات يشترون المازوت خلال فصل الشتاء وفي ذروة الطلب على هذه المادة من محطات الوقود الملتزمة نسبياً ببيع المخصصات لأغراض النقل وبمراقبة بعض الجهات المعنية بالسعر المدعوم، ويبيعونها لتجار السوق السوداء بسعر مضاعف، معتبرين وفق حساباتهم الخاصة أن ذلك يحقق لهم ربحاً أفضل من دخلهم اليومي في حال استهلكوها لعمليات النقل، وهؤلاء يبيعونها بأضعاف هذا السعر مستغلين حاجة المواطن إليها.

خلاصة القول
نقدّر للحكومة سعيها الجاد إلى تأمين ما يلزم من مواد أساسية يومية للمواطن، ونهيب بحكومتنا المرتقبة أن تكمل هذه الجهود المثمرة بهذا الاتجاه عبر سدّ الثغرات وقمع التجاوزات الصادرة عن رموز الفساد وذيوله، واعتماد آليات دعم أكثر شفافية خلال المرحلة القادمة، ولاسيما أن ذلك يعتبر بشكل أو بآخر من حيثيات الإعمار، ونعتقد أنه يمكن لأي مسؤول جاد في رأب صدع مؤسسته، أن يكتشف ما يكتنفها من تجاوزات وذلك من خلال متابعته الشخصية والحثيثة لها بعيداً عما يرفع له من تقارير سواء أكانت يومية أم شهرية، ونجزم أن هذه المرحلة تتطلب من كل مسؤول مهما كان منصبه أن ينزل إلى الميدان العملي ليلمس ويشاهد ما يعتري مؤسساتنا من ارتكابات قد يكون بعضها عن غير قصد!.
دمشق – حسن النابلسي