محليات

“الأكل للعيش”

“نأكل لنعيش أم نعيش لنأكل”.. جدلية فلسفية حيّرت الناس وأدخلت الكثير من الفقهاء في متاهة الإجابة الصحيحة والاجتهاد والتفسير ذي الطابع الديني والدنيوي، أما المحصلة النهائية لهذا الجدل والنقاش الدائر في فلك الصح والأصح فتتلخص في الرؤية الفردية التي تفرق مابين الغريزة البشرية كسلوك للبقاء وتلك الحاجات الإنسانية اللازمة لاستمرار الحياة.
ولكي لا نغوص في بحور الفلسفة وتلافيف نقاشاتها نختصر لنقول:إن المحنة التي يعيش المواطن أنات أوجاعها وزفرات آلامها لحظة بلحظة استطاعت أن تحقّق حالة من الإجماع مابين طرفي الجدلية، ففي بلدنا الآن من يعيش ليأكل كسرات خبز في هذه الظروف التي طوّعتها المجموعات المسلحة في خدمة إرهابها، وروّضتها مافيات الفساد في ميادين الفوضى لخدمة مصالحها التي داست على آمال السواد الأعظم من الناس الذين يجاهدون في أيام وظلمات الأزمة تحت عنوان وحيد “نأكل لنعيش”.
ومن بين هذا الركام المعيشي الصاخب بقرقعة البطون الفارغة وضجيج الرقابة والعين الساهرة على خدمة المواطن يبتدع ما يمكن أن نسميه فقه التدخل الإيجابي من قبل مؤسسات تختلف من ناحية التسميات وتتحد من جهة الهدف والمضمون حيث تتقاسم فيما بينها المصلحة العامة وتأخذ على عاتقها مهمة التدخل السريع في الأسواق وإنقاذ المواطن من طاعون الغلاء وتطهير حياته من الشهوات الغرائزية الناهشة بأنياب بعض المتاجرين بلقمة عيشه، ولكن شهادات الواقع الممهورة ببصمات الصفقات المشبوهة والكثير من المخالفات والممارسات غير القانونية تضع هذه المنظومة الإسعافية في مهب الريح، حيث تنكمش فكرة التدخل الإيجابي وتضمحل قدراتها وتحشر أهدافها في خانة السمسرة لا غير.
ومع تأكيد جميع الشواهد والوقائع المستنبطة من المقارنة السعرية مابين أسعار السوق الجامحة نحو التصاعد، وتحليق أسعار الصالات المحقونة بمصل التدخل على الدور الوهمي الذي تقوم به مؤسسات التدخل الإيجابي، إلا أن ذلك لم يحيّد رهانات البعض على فاعلية حضورها وقدراتها الخارقة في لجم الغلاء وتحقيق التوازن السعري وكبح جشع التّجار.
وبقليل من البصر والبصيرة نسأل أصحاب القرار: لماذا تتعامل هذه المؤسسات مع السماسرة بنظام العمولات بدلاً من التّجار والموردين الأساسيين للمواد التي يقع بعضها في فخ المواد الفاسدة، خاصة وأنه لا يوجد أي ضوابط لعمليات الشراء مهما بلغت قيمة البضاعة الموردة التي تمنحها موافقة المدير العام فقط تأشيرة الدخول للصالات ولحياة الناس، وغالباً ما تغيب النواظم القانونية عن هذه الموافقة التي قد تحكمها في بعض الأحيان المزاجية والعلاقة الشخصية بفروعها المختلفة؟، ولماذا لا يُسمح لمديري فروع مؤسسات التدخل الإيجابي بالشراء حسب ما تقتضيه مصلحة المؤسسة على أن تتم عملية الشراء وفق ضوابط معينة ولماذا ولماذا..؟.

بشير فرزان