ثقافة

الشعر المحكي: سورية في المقدمة.. إياد قحوش مثالاً

أن تكتب الشعر المحكي يعني أنك روح عارية تهيم على أديم الأرض كالضباب تلملم ذكريات التراب وترسمها جدارية للغة في وجدان الإنسان. وقد حافظ الشعر المحكي على عفويته وبراءته رغم انعتاقه من الكلام المباشر والغوص في أعماق الأسئلة الكبيرة في الحياة.
وإذا كنا قد تربينا على قصائد الأخوين رحباني وسعيد عقل وميشال طراد والتي جادت بها حنجرة فيروز وحبال صوت وديع الصافي في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي إلا أننا شهدنا نهضة سورية كبيرة مع مطلع التسعينيات وحتى الآن. نهضة يقودها شعراء أمسكوا بأسرار الشعر المحكي من التلقائية البسيطة في استخدام المفردات اليومية إلى القدرة السحرية في خلق المعنى الجديد وكل ما بينهما من خيال جامح وصورة بكر وجمال أخّاذ.
يقف الدكتور إياد قحوش في مقدمة شعراء المحكي في سورية وبشهادة أترابه من سورية ولبنان وفلسطين وقد حلّق بالشعر المحكي ليجعل منه تارة صلاة وتارة أغنية للعصافير في صباحات الكروم والبساتين. لغته نظيفة ومثقفة فهي نفس لغة بائعي الورد للعشاق في حدائق دمشق أو ثلة من الأصدقاء والصديقات في جلسة مسائية تحت درج في دمشق القديمة إلا أنه يخلطها كأنه كاهن قديس يخلط الكحول للمجانين الجالسين في معبد الجمال. يقول في كتابه الأول “بيتين وتنور” حين يضيق الكون به فيتمرد على المكان والزمان:
ياشاعر الـ وقّفت صوت اللون/ عافرْد إجْر/ يرتّل قْبالَك/ لا فِي خَيال بْيُوسعَك بالكون
وْلا الكون قادر/ يُوسع خْيالَك/ اخْلَقلَك شي كون وفُوت ع حالَك.
في شعرصاحب “بيتين وتنور” نقّلة مهمة في شعر الزجل والشعر المحكي فهو الآن أدب نقيّ خالٍ من الحشو يتمايل كقارب بين ضفّتي العمق والغموض لايلوي على شيء سوى تجديد وتجميل العالم. في شعره الكثير من التأمل والوقوف وجهاً لوجه مع المجهول. يقول في كتابه الثاني “كرْم السّما” والذي صدر حديثاً في بيروت في قصيدة تحت عنوان: “بعدين”:
بْهالغيمتين البِيض/ الْـ علّقتهن ع الرّيح/ ونشّفتهن بالليل ع ضوّ القمر/ عم أمسح قْزاز   السما/ تاشوف/ باب الغياب مْنيح/ تْعِبْت وأنا عم جرّب مْفاتيح.
في شعر قحوش تباغتك الدهشة ببساطة وتتركك حائراً ومستنفراً وأنت تفكر في تلك الرحلة الخاطفة في أعماقك وأعماق الكون التي أخذك إليها عبر بضع كلمات:
إنْ فكّرت فيه كْتير/ هالكَون مابيلقى/ إي العتْم حبْس كْبير/ بسّ القمَر طلْقه.
بشكل عام إن الشعر المحكي الذي كان قد سكن وجدان الإنسان العادي الذي ينطلق إلى عمله في الصباح على أنغام أغنية كُتبت كشعر محكي هو نفسه الذي يقرأه الآن أستاذ الجامعة عند المساء بعد عودته إلى البيت وهو يبحث عن جرعة روحية تخاطب درجة تحصيله العلمي وتُجاري مستواه الفكري وتحمل في نفس الوقت نكهة الحياة ومتعة الغرابة.
نقل الدكتور إياد قحوش مع الآخرين من شعراء المحكية في سورية الشعر المحكي إلى المقدمة فصار جزءاً لا يمكننا تجاهله من الأدب السوري. وفي أمسية شعرية استضاف فيها الدكتور قحوش الشاعر اللبناني رفيق روحانا في بلدته مرمريتا تساءل الأخير: لماذا نطلب شعراء المحكية في لبنان للمجيء إلى سورية ولدينا شعراء في الطليعة كالدكتور إياد قحوش.
تمام علي بركات