اقتصاد

الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة

الفساد ظاهرة عامة موجودة في جميع بلدان العالم، بأحجام وأشكال مختلفة، وما هو موجود منه بين ظهرانينا قائم منذ زمن، والمؤسف أنه يتضاعف وتزداد ساحة انتشاره، وتتعدد أوجهه وتستفحل ممارساته، في ظل الإرهاب الذي يشهده وطننا ومواطنونا منذ أكثر من ثلاث سنوات، وهذا الفساد محطّ استنكار ورفض كل مواطن شريف، وكثيرون يجمعون على أنه لا يقل خطراً عن الإرهاب الكبير الخطير، بل يكاد يكون أخطر، لأن ساحة انتشار الفساد أوسع على ساحة القطر، ويكاد يأخذ طابع الاستمرارية، في حين أن الإرهاب ظاهرة دخيلة، ونكاد لا نعيشها إلا في أمكنة محددة ولفترات متقطعة، ما يستوجب عدم جواز قبول ادعاء بعضهم ضرورة اجتناب إثارة بعض قضايا الفساد، وانطلاقاً من ذلك يروّجون لاعتماد التخفيف من مخاطر الفساد، -بحجة عدم المساس باللحمة الاجتماعية- والتعليل بأن المعركة الأهم هي مع الإرهاب، حيث الظروف الراهنة تقتضي –من وجهة نظرهم- تصويب جميع الحراب إلى صدور الإرهابيين التكفيريين القتلة.
لا جدال في ضرورة مواجهة التكفيريين بكل صرامة، وهذا أمر قائم والحمد لله، إذ نراهم يتقهقرون يومياً بين مكان وآخر، بفضل تضحيات جيشنا الرسمي والوطني، ولكن ذلك يستوجب وبالتوازي مواجهة الفساد وأهله، وجعلهم يتقهقرون أيضاً عبر التكاتف المتوجب حصوله بين رقابتنا الرسمية ورقابتنا الوطنية، التي يجب أن يكون لها حضورها الميداني -بالكلمة والموقف- على غرار الحضور الميداني الذي تقوم به قوات الدفاع الوطني بقوة السلاح، فالفساد والإرهاب حليفان، ولو تخالفا أو أظهرا الخلاف، فخلافهما حال حصل، ما هو إلا لغاية تحقيق المزيد مما يريده كل منهما، وليس لغاية إقصاء أحدهما الآخر، لأن واقع الحال يؤكد ترابط المصلحة بينهما، فتحقق قوة أحدهما تضمن تحقق قوة الآخر، فهما صديقان لبعضهما، عدوُّان ويسيئان كثيراً للاقتصاد الوطني والدخل القومي والحالة المعيشية، وهما وجهان لعملة واحدة، هي نقيض العملة الوطنية والعمالة الوطنية والعمل الوطني، فواقع الحال يؤكد أن الإرهابيين مستفيدون من تنامي حضور المفسدين، والمفسدين مستفيدون من تنامي حضور الإرهابيين، ولا مصلحة لأحدهما بضعف الآخر، والمواطن الشريف يقع ضحية الاثنين منفردين أو مجتمعين، والغريب في الأمر أن معظم المفسدين يندفعون للمشاركة بالأسى والحزن الذي ينتاب الشرفاء، إثر نتائج أية عملية إرهابية، متناسين ما يلحقونه هم من أسى وحزن بكثير من المواطنين على أكثر من صعيد، وفي أكثر من اتجاه. والإرهابيون يحتجون –زوراً وبهتاناً- أن ممارساتهم الإرهابية التي لا تطال غالبا إلا الشرفاء، ما هي إلا ردّ على الفساد.
من المتفق عليه أن النهج الرسمي والشعبي مجمعان ويعملان باتجاه مكافحة الفساد، قبل وجود الإرهاب، وأيضاً مجمعان ويعملان لمكافحة الإرهاب منذ ظهوره، وبالتالي أليس من حق المراقب أن يتساءل طالما أن المصلحة الوطنية اقتضت تشكيل قوات دفاع وطني لمكافحة الإرهاب، وقد أثبتت هذه القوات حضورها في كثير من المواقع إلى جانب الجيش والقوات الأمنية، وفي بعض المواقع كان لها حضور قوي ومؤثر بمفردها، ولا زال هذا الحضور الفاعل يتنامى ويحظى بكل التقدير الرسمي والشعبي -رغم ما ينتابه من انتقادات لا يخلو بعضها من وقوعه، ووجوب التنكر له- وبالتالي ما الذي يمنع أن تتشكل –على غرار ذلك- رقابة شعبية وطنية متخصصة بمكافحة الفساد وتكون رديفة للأجهزة الرقابية الرسمية الموجودة على الساحة، على أن يتم ذلك بشكل مقوْنَنْ رسمياً، وعبر تنسيق مدروس متفق عليه ومعتمد ومعمول به، شريطة اقتران ذلك بتوجيهات وتعليمات توصِّف الفساد المتوجَّب مكافحته، وليكن ذلك على مراحل بدءاً بالأخطر فالأخطر في ضوء الممكن مواجهته تبعاً للزمان والمكان، ومن المؤكد أن الكثير من المواطنين الشرفاء سيقبلون على العمل في هذه الرقابة بتفانٍ وإخلاص، وسينجم عن ذلك، إضعاف وتهاوي الإرهاب، والذي بدوره يؤدي إلى تهاوي وإضعاف الفساد، وحبذا لو نعي جميعاً أن أي تهاون أو تقصير في مكافحة الفساد، سيؤدي إلى صعوبة وتأخر في نجاح مكافحة الإرهاب، ما ينعكس سلباً على الوطن ومواطنيه، وعلى الأغلب ستترتب إثر ذلك مخاطر أكثر مما هو قائم أو متوقع.

عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية