ثقافة

“سرايا عابدين ” مرّر صوراً لزعزعة الأمن وإثارة الفتنة

حظي مسلسل “سرايا عابدين”، والذي صُنف بأنه أضخم إنتاج عربي لعام 2014، بمتابعة كبيرة على مستوى الوطن العربي، وشدّ المشاهدين برابط خفي نحو الإغراء البصري بكل أنواعه، ورغم كل الانتقادات التي طالت العمل، والتشويه، والأخطاء للأحداث التاريخية التي تخللته، بقي المسلسل الأول.
ومن المضمون المباشر للحبكة الدرامية نقرأ المؤامرات، والمكائد التي تدبّر خلف الأبواب المغلقة من قبل زوجات الخديوي، ووصيفاتهن، ونرى أساليب التجسس المتبعة عن طريق الخادمات، واستسهال قتل الجواري، وإخفاء الحقائق، كحادثة قتل الجارية الشاهدة على “بنوة” الخديوي لابن الخادمة، ولكن في المعنى الخفي الذي نقرؤه بين المشاهد، نرى أن العمل ركّز على شخصية الخديوي إسماعيل الذي وقف في وجه الانكليز، وحاول الدفاع عن الفلاحين الذين يقضون حتفهم بتجنيدهم لأعمال السخرة، وإيلاء حفر قناة السويس الأولوية، والاهتمام بتطوير مصر، والسودان، وإيضاح العلاقة بين الخديوي، ورجال الدين، والحادثة الفاصلة التي توقفت عندها الكاتبة الكويتية هبة حمادة هي العملية المدبّرة من قبل “أخ” الخديوي للاستيلاء على السلطة وزعزعة أمن البلاد، وإثارة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين بالاتفاق مع إمام الجامع لتفجير المسجد، وإحراق المصلين، والتركيز على الحوار الدائر بين الشخصيتين، وقناعتهما بالتضحية بخمسين مصلياً لإنقاذ الآلاف، لكن الخديوي أحكم قبضته على الفاعلين، وحاسب أخاه، ونفاه، وقضى على محاولة الفتنة، والحادثة الثانية التي مررتها الكاتبة هي الغدر، والخيانة الشخصية التي قامت بها الملكة (خوشنار) التي جسّدت شخصيتها النجمة يسرا، والدة الخديوي حينما أقنعت زوجها الأمير إبراهيم، قائد الجيوش، بالحجر على والده محمد علي، والاستيلاء على السلطة، ليصبح فيما بعد ابنها إسماعيل الخديوي بعد كل العطايا التي منحها محمد علي لابنه إبراهيم، وفي منحى آخر أظهرت الكاتبة قوة شخصية الخديوي، واتخاذه القرارات الحاسمة، ومعرفته بالخفايا التي تدار في السرايا، وعدم تهاونه بالأمور، ومحاكمة عقله بعيداً عن قلبه، بدا هذا واضحاً في معاقبته والدته الملكة، وإبعادها فترة من الزمن عن السرايا لاتخاذها قرارات دون الرجوع إليه، وإبعاد جاريته المفضلة لديه شمس حينما تجاوزت حدودها، وفرضت شروطها عليه، ورغم ذكاء الكاتبة بتمرير هذه الصور، إلا أنها وضعتنا إزاء أسئلة، واستفسارات وضحت بعضها في تصريحها لأكثر من موقع بأنها كتبت حكاية خطوط العمل بالاستناد إلى أحداث تاريخية واقعية، لكنها بنت حبكتها على عوالم افتراضية، وركزت على البعد الدرامي، وليس التاريخي، ورغم تصريحاتها، توجد أحداث غريبة مثل حكاية الأميرة صافيناز مع شقيقتها التوءم جلنار التي تستبعدها، وتأخذ مكانها كزوجة الخديوي، وتتمكن الأميرة صافيناز من الهرب من سوق الجواري، ودخول السرايا، والتخفي بزي خادمة طيلة حمل شقيقتها، وبعد الولادة مباشرة تنجح بمساعدة وصيفتها السابقة بقتل جلنار، والعودة إلى مخدعها لاستقبال الخديوي مع الطفل القادم، والأغرب أن الطبيب بشر الذي قام بعملية ولادة جلنار هو الذي يشخّص موتها بالسم، وهي بزي خادمة، ولم يلحظ أحد الشبه الكبير بين جلنار وصافيناز، حتى الخديوي لم يلحظ الفرق بينهما، حتى بالسمات النفسية، وسيكولوجية الشخصية.
في الحلقة الأخيرة تركتنا الكاتبة إزاء أحداث كثيرة متشعبة، ومفتوحة للجزء الثاني مثل علاقة الحب الخفي التي تربط بين الأميرة نظلي، عمة الخديوي، والطبيب آرنست الذي أنقذ الأميرة فريال مع طفلها من الموت المحتم أثناء الولادة، وظهور الأمير حسين، الابن الأكبر للخديوي من الأميرة فريال، والذي سيأخذ مكانه الأمير توفيق الذي تأهب لتتويجه ولي العهد، وإصرار الجارية شمس على إغاظة الخديوي، لتجد نفسها بين جاريات السلطان، بعيداً عن مصر.

ملده شويكاني