ثقافة

“غداً أتماثل إلى الضوء” رؤى حداثوية بلغة شعرية مميزة

“غداً أتماثل إلى الضوء” مجموعة شعرية جديدة للشاعر رضوان أبو غبرة، يطرح من خلالها عدة رؤى، ويقدمها للقارئ بلغة شعرية مميزة، يسبك فيها الشاعر بمفرداته الخاصة المليئة بالماء والزبد والصدف والضوء المجدول على متن الليالي والعطر المحمول على أكف غبار الطلع لؤلؤاً بنكهة خاصة.

يفتتح أبو غبرة مجموعته الشعرية بـ”شيء من النرجس” ليعلو بذات الكاتب وأهمية الكتابة: /حساسيته أوسع من ثقافته/ تلطف به أيها الهواء/. وليس بعيداً عن ذلك يمنح الأدب حصته من شعره مقدماً إياه على طبق من ماء وزبد:/ما أقرؤه/جدل الماء مع الماء/ما أكتبه/ زبد الأشياء/. ومن يغص في أغوار القصائد لابد له من التوقف عند الأنوثة التي استحوذت على مساحة كبيرة، حيث يعمل الشاعر على تعريفها أو الوصول إلى معناها، فيمنحها دلالات الحياة وصعوبة المنال، يقول في “الأنوثة”: /لاشيء يغري الماء غير الماء/هل قلت /الأنوثة لؤلؤ المعنى/وهل قلت الصدف/.
وفي قصيدة أخرى يقرن الأمل بالأنوثة فهي مصدر السعادة والحياة، يقول في قصيدة “الحنين رقم 7”: / ما الأنوثة إذن  وكيف لي أن أبرهن / على اقتراف الأمل؟/. وبالرغم من تكرار الماء في عدة قصائد إلا أنها لم تصب ببلل التكرار، على العكس تماماً فقد استطاع توظيفها بالشكل الصحيح آخذاً القارئ إلى مدارات أخرى في التأويل والفهم. وفي جانب آخر تظهر ذات الشاعر المكسورة على حافة الهاوية والمتجلية في لمعان الحلم، يقول في “انكسار” : /مرة أخرى يعريني بكائي. /جسدي الدمع، وعيناي ردائي. /وأنا ذاكرة الملح /أمامي جثة الوقت/وأحلامي ورائي/. جاءت أغلب القصائد بشكل مقاطع قصيرة مكثفة تفاوتت في جماليتها فترانا نسقط أمام مقطع أضعف شعرياً من مقطع آخر، ففي قصيدة “كالكتابة لا أعرف الضحك” في المقطع (32): /كأني أحب عيوبك/ في حين نقرأ في المقطع (37) / لأجلكِ، حبست العطر كله في قارورة الانتظار/. كما يطرح أبو غبرة حالة فلسفية بثوب شعري خالص  فنراه يسعى لتعريف الوجود من خلال قصيدته “الوجود”: /قال طفلٌ: الخلية في الزمن/وهذا الحصى كرة للهاث القمر/ قال شابٌ: الزمن في الخلية/سأركل الحصى ومرحباً يا جثة الهاوية/وقال شبح بهيئة شيخ: افتحوا أعينكم/وقلت شكراً للزمن/
وبين الليل والضوء يسعى الشاعر لخلق صداقة مغزولة بغبار الطلع لينمو الحب على أغصان الكلمات يقول: /ذات ليلٍ / ربما كنت أرشيفاً/ لغبارٍ سميته الفراغ /كن معي /أيها الليل الصديق لاستمالة غبار الطلع/ ويحضر الحب عند أبو غبرة  بحوار مع أنثاه التي خبأها الزمن خلف ظهره فيستحث الذكريات لتحمل له عطر المصادفة التي جمعته بها ويخطها وسوسات على مقعد دافئ يقول في قصيدة “وسوسات على ذات المقعد”: /لم يكن ذلك مصادفة/وإن كان كذلك، سأسمي ذلك التاريخ مصادفةالورد./
يعمل أبو غبرة في مجموعته على الانزياح اللغوي والاقتباس حيث يظهر ذلك في قصيدته الأخيرة “ذهاب العقل لا الذهب” محاولاً إسقاط بيت شعري للمتنبي على زمننا هذا، وقد زج بمصطلحات حداثوية تخلو من الشاعرية مثل “رأس المال”  فيمزج بين حقبتين متباعدتين كل البعد ويستخلص زبد الحكمة يقول فيها في المقطع (4): /آه كم نحن بحاجة إلى أبي الطيب: “سمّيت بالذهبي اليوم تسمية/مشتقة من ذهاب العقل لا الذهب”/ أتراه كان يقصد أن يهجو، أم يستقرئ العصر المقبل/كعادة الشعراء الحقيقيين./
“غداً أتماثل إلى الضوء” مجموعة شعرية جديدة تقع في 167 صفحة من القطع المتوسط صادرة عن دار بعل 2014 ، صمم الغلاف الفنان رائد خليل، وهي المجموعة الشعرية الثالثة للشاعر رضوان أبو غبرة.

خضر مجر