ثقافة

عبر علاقة تواشجية بين الفنّ التشكيلي والسياحة الفنان سميح الباسط: ترويج السياحة واجب وطني

يرى الفنان سميح الباسط أن التجريد يفتح عوالم واسعة لدى المتلقي ويوجد جسوراً مع الآخر توحي بقراءات مختلفة بعيدة عن المباشرة من حيث المساحات المنظورة والأفكار والمضمون المتداخل مع جوهر اللون، وهو أكثرارتباطاً بروح الفنان وأكثر قدرة على التعبير عن عواطفه ومكنوناته ،لكنه آثر في هذا المعرض المقام في فندق داما روز بعنوان “المبدعون أحفاد الطبيعة” أن ينوع في أسلوبه فجنح نحو التعبيرية لرصد ومضات واقعية مما نعيشه الآن محمّلة بالكثير من المضامين الإنسانية ولتصوير جماليات خلوية من طبيعة سورية وتشخيص ثنايا جسد الأنثى كما أفرد مساحة للبورتريه، والأمر اللافت اهتمامه بجداريات بانورامية وتخصيص ركن للجانب النحتي بعرض أنموذج مصغر لنصب الشهداء، واستخدامه في بعض اللوحات تقنية تفجير اللون، وكانت ملامح الأزمة حاضرة بقوة سواء بلمسة لونية غير مباشرة أو ببقع اللون الأحمرالممتزجة بالسواد القاتم والمتداخلة حيناً مع الألوان المتوهجة المنبعثة من وسط الركام.

ويأتي هذا المعرض برعاية وزارة السياحة في خطوة لتفعيلها من خلال الفنّ التشكيلي وإظهار وجه سورية الجمالي والحضاري بما يؤكد استمرار الحراك الثقافي رغم كل الأوضاع الصعبة التي نعيشها وحضر المعرض عدداً قليلاً من الفنانين التشكيليين وكان الحضورالأكبرللعاملين والمهتمين بمجال السياحة والإعلاميين من جميع الوسائل الإعلامية .البعث حضرت الافتتاح وأجرت الاستطلاع الآتي. وبداية توقفت مع الفنان سميح الباسط الذي تحدث عن جمالية الطبيعة السورية الغنية والمنوعة مابين الجبال والغابات والصحراء والبحر والمتميزة بلون الشمس الساطع العاكس بريقه على ألوان تربتنا ،وعن الألق التاريخي للحضارة البيزنطية والرومانية والنبطية التي خطت أوابدها وآثارها في ربوع أرضنا فمن واجبنا كفنانين أن نروّج للسياحة في بلدنا لرفد اقتصادنا الوطني ،وتابع حديثه عن الشيء الجديد من حيث البانورامات الفنية والمجسمات المعدنية والتقنيات التي استخدمها ،فيضيف :رغم عشقي للتجريد الذي يقوم على تهديم الواقع وإعادة بنائه من جديد ورغم تأثري بكاندي نسلي وفاتح المدرس ،إلا أنني آثرتُ في هذا المعرض المشغول بتقنيات متعددة أن أفرد مساحة للوحات تقارب الواقع وتمسّ مشاعرنا بأسلوب تعبيري فجاء متنوعاً ما بين لوحات زيتية ومائية شفافة ،وكان لتشخيص الأنثى -كما قلت- جانب واضح كونها تمثل إيقاع الحياة وتعزف على أوتار قلوبنا المتعبة وأرواحنا المتعطشة إلى الحب ،ومثلتُ في لوحات كثيرة ملامح الأزمة ومعاناتها من آلام الفقد والدمار، الملفت أيضاً أن الباسط خصص جزءاً لجمالية البورتريهات الأنثوية وأجملها وجه فتاة ذات ملامح ساكنة نصف وجهها مظلم ونصفه الآخر مضيء ،وترك حرية قراءته للمتلقي وبرأيي إنه يشبه الحياة بكل ما فيها ،كما تطرق إلى موضوعات تحمل مضامين إنسانية نعيشها مثل لوحة تجمع بين الكنيسة والجامع جسدها بأسلوب أقرب إلى الواقعية ،فيتابع :هكذا خلقنا وهكذا سنبقى ولوحاتي جملة خطوط منسوجة ومرتبطة لتشكّل سجادة النسيج الاجتماعي الذي نعيشه ،وتقصدتً أن أرسم بورتريه للخيل العربي الذي يدل على الأصالة وهو رمز لتاريخنا ونضالنا وتراثنا كإيماءة تذكرالعقول الغافلة بماضينا المشرق وتماسكنا ،وفي منحى آخر زيّنتُ المعرض بشجرة النارنج وبالنافذة الدمشقية التي تسطر خطاً في فن العمارة الدمشقية ،أما عن الشيء الجديد فيتمثل بوجود البانوراميات التي جسدت أحدها سنابل القمح وأخرى صوّرت بأسلوب تجريدي واقع الحياة وتميزت بألوان زاهية تفاؤلاً بالنصر القادم.
وما يميز المعرض أيضاً الجانب النحتي لمجسمات معدنية فراغية أجملها هيكل أنموذج نصب الشهداء من المتوقع أن يشاد في صحنايا ،يصل طوله إلى أربعة أمتار والجداريات الملحقة به إلى خمسة أمتار تعبّر إحداها عن نضال شعبنا فتجسد رجالات الثورة السورية الكبرى بملامحهم وأزيائهم وكل انتماءاتهم ،وتخرج قاعدته عن المألوف بعيداً عن الشكل المكعب كما يذكر الباسط في حديثه لتبدو بشكل مربع ،وسألته عن تقنية تفجير اللون فقال:هذه التقنية متبعة الآن في أغلب دول أوروبا هروباً من الرومانسية بمرحلتها الأولى وتعبيراً عن خشونة الحياة وما يدور في العالم من تحولات فاستخدمتُ النفط لتفجير اللون ومنحه السمة الداكنة كما في اللون الزيتي والأسود كتكنيك جديد يتعشق مع روحي.

السياحة تُعنى بتنشيط الفنّ التشكيلي
وتمثل الحضور الرسمي لوزارة السياحة بوجود المهندس بسام بارسيك مدير الترويج والتسويق السياحي فسألته عن رأيه بالمعرض وعن أهمية العلاقة التواشجية بين الفنّ التشكيلي والسياحة ،فقال :تأتي أهمية المعرض في تعبيره عن إرادة الحياة التي يتمسك بها الشعب السوري وعن إصراره على إعادة الإعمار وبناء الوطن وتنشيط الحياة الثقافية والاقتصادية والسياحية ،ووزارة السياحة تعنى بكل شيء جميل وأيّ سائح من داخل سورية أو خارجها يبحث عن جماليات طبيعية وعمرانية وتراثية ،ولا يوجد أجمل من الفنّ التشكيلي الذي جسد الكثير من الجماليات ،ونحن معنيون بدعم المعارض وجميع النشاطات الثقافية التي تقام في منشأة سياحية مثل هذا المعرض ،أما عن التفاصيل التي تميز المعرض فأرى أنه منوع من حيث الأسلوب والمضمون ويعبّر عن تجربة الفنان سميح الباسط الغنية بالتجريد إلا أنه لا يؤطر فنه بإطار معين ويعمل على الدخول في مناخات عدة مدارس للوصول إلى الفكرة المراد الوصول إليها ومحاولة إبراز جمالية الوطن وجمالية الإنسان ،ومن ناحية ثانية تطرق بأسلوبيته إلى الأزمة التي أضرت بالحجر والإنسان على حدّ سواء وأملنا أن تنتهي الأزمة ولا نشاهد انعكاساتها ومظاهرها إلا بالصور واللوحات التي جسدتها.

وجه حضاري للبلد
ومن الفنانين التشكيليين الزائرين للمعرض الفنان حمزة ياغي إذ سألته عن دور الفنّ التشكيلي بتفعيل السياحة فأجاب :السياحة لها وجوه متعددة فهناك سياحة ثقافية وسياحة تاريخية وسياحة فنية وسياحة اقتصادية ،والفنّ التشكيلي جزء من الثقافة العامة وتؤكد المعارض عامة على وجود الحراك الثقافي واستمراره ،وبرأيي هذا الجانب الثقافي والفني لايرتبط فقط بالسياحة وإنما بكل وزارات الدولة لأن الثقافة عصب الحياة وجانب هام جداً في حياة الإنسان ،وتتميز تجربة الباسط بصورة عامة بنوع من العفوية والبساطة والتلقائية المباشرة.
ملده شويكاني