ثقافة

أندريه معلولي: الثقافة والإعلام توءم لا ينفصلان.. وللإعلام دور كبير في نشر الثقافة الموسيقية

في الحياة أشياء تؤثر في دواخلنا، وتربطنا بشيء خفي لا نجد تفسيراً له مثل التعلّق بروح المكان الذي يكون أحياناً أقرب إلى الذات من الأشخاص، نشعر بدفئه فتسري حرارته في أوصالنا، هكذا حال الموسيقي أندريه معلولي الذي لازم المعهد العالي للموسيقا، وتدرّج في المناصب من عضو هيئة تدريس إلى رئيس قسم، وحالياً هو عميد المعهد، وكونه ابن المكان تحكمه رؤية جديدة للانطلاق بالمعهد من جديد، والعمل على توسيعه بموافقة وزيرة الثقافة د. لبانة مشوح من خلال خطة تنفيذية لتدعيم الحركة الموسيقية السورية، ونشرها داخل سورية وخارجها، وخلق جيل أكاديمي محترف وفق أحدث الأساليب التعليمية العالمية، وأهمها التعلم عن بعد عبْر السكايب، وإعادة البناء الداخلي، والأمر الهام أنه تتم دراسة منح طلاب المعهد، في ضوء الترتيبات الجديدة، درجة أكاديمية أعلى بحصولهم على درجة الماجستير،

هذه النقاط الأساسية لحوار البعث مع معلولي، فبدأ من تعديل اللائحة الداخلية للمعهد، فقال:
لا شك بأن المعهد العالي للموسيقا مثل أية مؤسسة أخرى تمرّ بفترات نهوض وركود، إذ لمع في فترة من الفترات، ثم صادفته بعض العوائق، وتعرض لإخفاقات، وخلال الأزمة خسرنا كوادر بشرية هامة نتيجة سفر بعض الموسيقيين، ومغادرة الخبراء الروس الذين كان لهم دور بتفعيل الحركة الموسيقية، لذلك نحن الآن بحاجة إلى تعديلات، وتجهيزات تتناسب مع عدد الطلاب، ووضعهم الحالي، وسيتم تعديل اللائحة الداخلية للمعهد مع السيدة الوزيرة كي نواكب التطور العالمي في المرحلة الراهنة، وسنبدأ بتوصيف المواد الموسيقية، وإعداد مناهج دراسية جديدة للمواد النظرية بالاستعانة بأساتذة درسوا في الخارج، ثم عادوا إلى سورية، وبالتواصل مع خبراء، والاطلاع على مناهج المعاهد الرائدة في الدول العربية، والأجنبية، وعلى صعيد آخر نسعى من خلال الاتفاقات مع الدول الصديقة إلى استقدام الخبراء من جديد، كل هذه الخطوات تساهم بتفعيل دور العمل الموسيقي، وربطه بالمجتمع من خلال طلابنا، ونحن نفتخر بأن معهدنا الوحيد في العالم الذي يدرّس علوم الموسيقا العربية، والكلاسيكية، ولدراستنا العميقة والمستفيضة للعلوم الموسيقية الكلاسيكية أثرنا على موسيقانا العربية بإسقاط نظريات الموسيقا الكلاسيكية، وتداخلها معها، والطلاب الخريجون يمتلكون مهارات العلوم الموسيقية العربية والكلاسيكية، فمن الضروري أن تنتشر موسيقانا في العالم، وتُدرس، وتُحترم.

توسيع قسم الموسيقا العربية
وفيما يتعلق بالخطوات المتبعة لتوسيع المعهد، بدأ معلولي بتوسيع قسم الموسيقا العربية لأهميته، لاسيما بعد عودة اوركسترا الموسيقا العربية التي قدمت عدة أمسيات ناجحة بقيادة الموسيقي عدنان فتح الله الذي يترأس القسم أيضاً، فتابع حديثه: وسعنا قسم الموسيقا العربية الذي يضم التراث الشعبي، والآلات العربية، ويمضي وفق خطة استراتيجية، وستقام ورشات عمل، ودورات تدريبية من قبل موسيقيين لتدريب العازفين على الآلات الغربية أيضاً، والاستفادة منها لعزف الموسيقا العربية والشرقية، ما أعطاها لوناً جديداً، وزخماً، وطابعاً مختلفاً عن المألوف، لأن التطوير يتطلب دائماً تقديم أفكار، ومشروعات جديدة تخضع للتقييم، كما سيتم الاهتمام بالموسيقا الكلاسيكية العربية، والموسيقا التراثية لإعادة إحيائها بصورة لائقة، وتم تشكيل أقسام جديدة، ووضع خطة عمل لجميع الأقسام بموافقة السيدة الوزيرة، تترافق مع دراسة منح طلاب المعهد العالي للموسيقا متابعة الدراسة لنيل درجة الماجستير، ونحن جميعاً نعمل لسدّ الثغرات لبقاء هذا الصرح الحضاري الذي كان وسيبقى نواة لتشكيل الحركة الموسيقية في سورية، فاتخذنا قراراً (مجلس المعهد) بإعداد قاعة للدراسة عن بعد عن طريق السكايب ستفعّل مع بداية العام الدراسي لسد النقص في الكوادر التدريسية في بعض الأقسام، وسنعمل على الاستعانة بالخبراء من خارج سورية حتى نطوّر عملنا، ونواكب التطور العلمي في الدول المتقدمة، ونشكر وزارة الثقافة التي قدمت كل الدعم للمعهد، وعملت على تذليل الصعاب، وحلّ الأمور العالقة، واهتمت بكل مفاصل الثقافة، لأن الثقافة سفيرة سورية إلى العالم، ولن نستطيع إظهار حقيقة ما يحدث في بلدنا، وما تعرضت له إلا عن طريق الثقافة.

الموسيقا في الداخل والخارج
نشطت الحركة الموسيقية خلال الأزمة أكثر من السابق، وأثبتت حضورها الفعال، وارتباطها بالمجتمع وقت الأزمات، فلم تكن وسيلة من وسائل الترفيه، أو من وسائل الدفاع عن الذات، وإنما كانت طقساً أساسياً للتحدي، والإصرار على البقاء، ترجمت الألم، وبعثت الأمل في آن واحد، فتألقت الفرقة السيمفونية الوطنية، واوركسترا الموسيقا العربية، وظهرت عدد من الفرق الصغيرة، بعضها تآلف مع الكورال، فسألته: ماذا عن نشر الثقافة الموسيقية داخل سورية وخارجها ضمن الخطة الجديدة؟؟فقال: وضعنا خطة لنشر الموسيقا إلى أبعد رقعة ممكنة في سورية، وسنؤسس فرقاً صغيرة من الطلبة ضمن قسم الحجرة لتشكيل خماسيات، أو رباعيات أو ثلاثيات، يقدمون مشروعات سنوية تقدم في جميع الجامعات كنوع من التبادلات الثقافية بإطار أمسيات موسيقية كلاسيكية عربية، أو كلاسيكية غربية، وفي جهة ثانية الدمج بين الكورال والموسيقا، لأن الغناء الجماعي من أهم عناصر العمل الموسيقي، ويمكن أن نراه في الموسيقا العربية أكثر من الموسيقا الكلاسيكية، كما أن الكورال الجماعي يساعد الطلاب على تطويع الأذن الموسيقية، وتوسيع الأبعاد الصوتية، وحتى إذا لم يكن الطالب من قسم الغناء، فعليه تعلّم غناء المقامات الموسيقية، والأبعاد الموسيقية الغربية، وكيفية الأداء الصحيح الذي يتطلب قدرات خاصة من حيث التنفس، وإضافة إلى ذلك فإنه ينمي لديه رقة الإحساس بالكلمة، ومن خلال تقديم هذه المشروعات نسعى لنشر الثقافة الموسيقية بين جيل الشباب، جيل المستقبل، وإثارة فضولهم لاكتشاف هذا العالم، وتعرفهم إلى خصائص الآلات الموسيقية، ليصبحوا فيما بعد من جمهور دار الاوبرا، والمتابعين بشغف كل النشاطات، وفي الوقت ذاته نعزز قدرات طلابنا على الظهور على المسرح، والتعامل مع الجمهور من شرائح مختلفة، ليكون الطالب شخصية موسيقية محترفة فيما بعد، أما فيما يتعلق بالنشاطات التشاركية مع بقية الوزارات، فقد وقعت وزارة الثقافة مع وزارة التربية اتفاقية تعاون مشتركة للاستفادة من مسارحها لتأهيلها، وإنشاء فروع لمعهد صلحي الوادي الذي يدرّس الأطفال الموسيقا، وهناك اتفاقية أيضاً مع وزارة التعليم العالي فيما يتعلق بوجود درجة الماجستير للتأهيل، والتدريب المعمول به في كلية التربية، وفيما يتعلق بالعلوم الموسيقية، وبصورة عامة المعهد جاهز للتعاون مع أية جهة، لأن الثقافة حاجة ضرورية وملحة.

المشاركات الدولية مستمرة
وتابع معلولي حديثه عن أهمية المشاركات الدولية، إلا أنها مرتبطة بالوضع الراهن، وبجوانب متعددة: طبعاً المشاركات الدولية تتطلب اعتمادات مالية، والأزمة أثرت على كل مفاصل الحياة، ما يهمني أننا مازلنا نُدعى إلى حضور المؤتمرات الدولية، ومازال بريق سورية موجوداً في العالم، وكثيرون يقدرون قيمتها وما لديها من مكنونات ثقافية، وفنية، وحالياً لدينا عدد من الموسيقيين في المعهد يسافرون بشكل دوري لرفد الفرقة السيمفونية الجزائرية ضمن إطار اتفاقية تعاون، إضافة إلى مشاركات في مهرجانات لبنان، ومشاركات دولية أخرى ضمن الإمكانات المتاحة.

دور الإعلام بنشر الموسيقا
في المحطة الأخيرة من حوارنا توقفنا عند دور الإعلام في تفعيل الحركة الموسيقية، فسألته: هل أنت راض عن المتابعة الإعلامية- بكل أنواعها -للحركة الموسيقية، فأجاب:
الثقافة توءم مع الإعلام لا تنفصل عنه، وللإعلام دور كبير بنشر الثقافة الموسيقية، والعمل الموسيقي لا يطوّر إلا من خلال المتابعة والنقد، أتمنى أن يوجه الإعلام اهتمامه للحركة الموسيقية، ولما يقوم به المعهد، بالتأكيد أنا أشكر كل الأقلام التي تابعت الحركة الموسيقية، ولكن برأيي المنشورات الصحفية ليست كافية، نحن بحاجة إلى خطة إعلامية للمتابعة، لأن الجانب المعنوي أهم من الجانب المادي، والاهتمام بما يقدمه الموسيقيون يعزز من قدراتهم، ويطوّر أداءهم، ومؤخراً لمسنا متابعة صحفية، وإعلامية جيدة، لكننا نطمح للمزيد، وأنوّه بالدور الكبير للإعلام المرئي في التواصل مع العالم الخارجي من خلال المحطات الفضائية، وأفلام الفيديو للمواقع الالكترونية.
يُذكر أن الموسيقي أندريه معلولي أسس اوركسترا أورفيوس منذ عدة سنوات، وقدم عدة حفلات من أهمها تعاونه مع الفنان زياد الرحباني لتقديم أعماله، ما يدل على تميّز الموسيقيين السوريين.

ملده شويكاني