ثقافة

“الغروبات” الالكترونية.. تواصل وخوف وأمان

باتت صفحات مواقع التواصل الالكتروني الاجتماعي من أكثر المواقع متابعة وحضوراً، فهي العائلة والوطن المصغر الذي يجمع المغتربين بأهاليهم، وبالرغم من المجال الواسع الذي تفتحه هذه الصفحات خاصة الفيس بوك، إلا أن هناك مايدعو للقلق من منعكسات الأزمة التي تعيشها سورية اليوم، فمع الجلوس الدائم في البيت أو في العمل، وعدم قدرة المواطن على التواصل الشخصي وتكرار الزيارات بشكل فعال، كما في السابق، يتعرض للاختراق والتجنيس والتقسيم، إذ تنتشر صفحات و”غروبات” لأهالي المنطقة حصراً، وهي صورة مصغرة للتقسيم الداخلي الذي نعاني منه على الصعيد الشخصي، فهل يمكن أن تنتقل هذه التكتلات إلى حياتنا الواقعية؟!.
قد لا تكون هذه الظاهرة من منعكسات الأزمة فحسب، بل هي نتاج بعض المسلسلات التي تنأى بحارة عن أخرى وتغلق أبوابها ويعيش سكانها  ضمن بيئة محددة منفصلين عن الحارات الأخرى إلى حد ما، وبالطبع لم تكن هذه حقيقة دمشق بحاراتها وأهلها، وإذا اعتبرنا أن الفيس بوك عالم الكتروني مستقل بحد ذاته، ونحن شاغلون افتراضيون يقطنون فيه، فهو يقوم مقام البيئة أو المحيط، وأن نجد فيه أهالي المناطق يقيمون “غروبات” تحمل أسماء حاراتهم وتقتصر عليها، فهو دليل واضح على التجزئة التي يعيشها الأفراد فيما بينهم، فهل نتجت هذه “الغروبات” لزيادة أواصر اللحمة والترابط (في الحارة) أم أنها تكتل ينأى بحارة عن أخرى وينفرد بها؟ ما المراد من ازدياد أعداد هذه الصفحات لتقسم المنطقة الواحدة إلى عدة حارات بشوارعها وحاراتها، حتى لم يعد الأمر شخصياً يقتصر على “غروب” للمثقفين أو للعائلة.
لكن تختلف نظرة القائمين على “الغروبات” حول نشأة “الغروب” الالكتروني وميزاته، فتقول بارعة إحدى مؤسسات “غروبات” الحارات: بعد ما تعانيه سورية من أزمة بتنا نخشى التواصل الذي كان في السابق، ولجأنا “للغروبات” الالكترونية في محاولة لإنشاء عالم افتراضي يمكننا التواصل عبره والاطمئنان على بعضنا البعض، بل جميعنا نعتبر أن “الغروب” بات عائلتنا الكبيرة، لذا لا نسمح بإضافة الغرباء، وذلك راجع أيضاً للمنعكسات النفسية التي ظهرت سلباً بعد مضي هذه المدة من الأزمة، كما لا يمكن نكران الجانب الاقتصادي الذي انعكس مادياً على غالبية شرائح الشباب، فلم يعد بالإمكان ارتياد المطاعم والمتنزهات كما في السابق، وترى بارعة من وجهة نظرها أن الاجتماع الالكتروني هو الوسيلة الأسهل والأكثر راحة لجلسات النقاش والترويح عن النفس، وغالباً ما يُطرح موضوع محدد يستفيد منه أعضاء “الغروب”، إضافة للتسلية وملء فراغ الوقت الذي بتنا فيه بحاجة للابتعاد عن نشرات الأخبار والنأي بالنفس، ولو قليلاً، عن أوجاعنا وأوجاع الشارع.
من هنا نتساءل: ماذا بعد أن نشأت هذه المجموعات الالكترونية؟ ومن أي ثقافة نشأت، وكيف ستنعكس على ثقافة جيل الشباب القادم بما تحمله من معطيات سلبية وإيجابية تؤثر في النسيج النفسي للفرد الذي ضاقت به السبل تماشياً مع عصر السرعة والتكنولوجيا، فابتعد عن القراءة بالرغم من كوننا (أمة اقرأ)، حتى إن كثيراً من اللوحات الدرامية طرحت الموضوع بأسلوبها، متنبئة بما قد يحصل يوماً، وهانحن نراه في بعض العائلات حيث باتت الأفراح والأتراح تقام الكترونياً، عبر “غروب” يقومون بتحديده سواء على الشبكة الالكترونية عبر الفيس بوك والسكايب أو البرامج الهاتفية كالواتس أب والفايبر، كم من الإنسانية والثقافة الفائضة ستقتل فينا بعد هذه التكنولوجيا، وإلى متى ستؤطرنا “غروبات” الكترونية، باتت وسيلتنا الوحيدة للتلاقي؟!.