ثقافة

من انتصارات الكرة إلى إنجازات راهنة لجيش وشعب عودة بالذاكرة إلى عدنان بوظو .. المعلق الرياضي الاكثر التصاقاً بوجدان االجمهور

صباح الأربعاء 25 تشرين الأول عام 1995، طاف خبر رحيل “عدنان بوظو” عن هذه الدنيا في أرجاء سورية، الرجل الذي لعب كرة القدم السورية بصوته أيضاً.
رحل عدنان بوظو المعلق الرياضي السوري الأكثر التصاقاًً بوجدان الجمهور السوري وعاطفته وأمله بفوز محقق لمنتخبنا الوطني، طالما صوته يصيح من أعماق قلبه” كووووووووووول.. كول سورية”.
أتساءل اليوم لو كان “عدنان بوظو” بيننا ونحن نمر بما نمر به من محنة قاسية تكاد تخطف كل ذكرياتنا، هل كان اكتفى بالبقاء كمعلق رياضي يتواجد في أروقة التلفزيون السوري؟ أم كان صوته ذهب ليهدر من ميادين المعارك التي يخوضها جيشنا السوري العظيم؟.
وكأني به يقول: الله يا سورية.. الله أيها السوريين الشرفاء، ما أشرف الوقوف بينكم، ما أنبل نظراتكم وهي تحنو على سنبلة البندقية، ويدكم الثابتة يقيناً تسجل هدفاً مضمخاً بالعشق لوطنكم في قلوب أعدائكم …كوووووووووول سورية.
تعود بي الذاكرة وأنا أحاول أن استرجع ما تبقى بذاكرتي المثقوبة، من ملامح هذا الرجل الاستثنائي بكل المقاييس والأعراف الوطنية والإنسانية، لأتذكر موقفين لن أنساهما ما حييت لهذا الرجل السوري، الأول عندما رفض من على شاشة تلفازنا الوطني، عرضا مغريا بالذهاب والعمل كمعلق رياضي في إحدى المحطات الخليجية، حيث قال حينها: “سندويشة فلافل بسورية بتسوى كل مصاري الدنيا”، أما الذكرى الثانية العالقة في بالي كرقاص ساعة لا يهدأ، فهي عندما فاز منتخبنا السوري لكرة القدم بذهبية المتوسط لدورة عام 1987، حيث كانت المباراة مع فرنسا وفاز فريقنا حينها “2 – 1” ليهدر صوت “بوظو” قائلاً:” يا رب يكلل جهود هؤلاء الشباب بالنصر، أروع مباراة لسورية تؤديها اليوم في هذا الملعب، ملعب الأسد في اللاذقية، أغلى وأثمن ميدالية في هذه الدورة، عرسنا الكروي هنا في عروس الساحل اللاذقية، بوركتم يا رجال هذا الوطن، هذا هو يومكم، هذا هو عرسكم، كبر فيكم الوطن وكبرتم به، سورية تنين، فرنسا واحد”.
لمن يذكر، كنا كسوريين نتفاءل عندما يكون التعليق على أي مباراة بكرة القدم بين فريقنا السوري وأي فريق آخر بصوت الراحل “بوظو”، كنا نثق بأن صوته يلعب أيضاً مع الرجال في المباراة، يركل المستديرة ويحقق هدفاً أكيداً من العزم والثقة في نفوس الجمهور، وأذكر أيضاً أننا كنا نتطير عندما يذهب التعليق لشخص آخر، ولأجل الصدف الغريبة، تفاؤلنا وتطيرنا غالباً ما كان في مكانه! هل كنا نهذي؟ أم أن صوته فعلاً وكلماته الدافقة كنهر فكت الطبيعة ألجمته المائية، كان كتعويذة فوز لا تخطئ. هذا ما قاله العديد من لاعبينا الكبار، أمثال وليد أبو السل وعبد القادر كردغلي “عبودة ” ومالك شكوحي “الحارس السوري الأشهر” ومناف رمضان صاحب الهدف الأروع، وهيثم برجكلي ونزار محروس وكثر غيرهم ممن لم تسعفني ذاكرتي بأسمائهم الآن، عندما أكدوا أنهم كانوا يشعرون بالقوة والعزيمة التي لا تلين عندما يكون صوت “بوظو” ينقل حركاتهم وكأنه يوجهها.
ولد عدنان بوظو في أحد أحياء دمشق العاصمة السورية عام 1936 م وتعلم في مدارسها ونال الشهادة الثانوية من ثانوية جودت الهاشمي الشهيرة والتحق بجامعة دمشق‏.
اختار كلية الحقوق وتخرّج حاملاًً إجازة في الحقوق، بدأ حياته الرياضة لاعباً بكرة القدم في نادي بردى العريق الملّقب بشيخ الأندية السورية عام 1950 م‏، لم يستطع الابتعاد عن معشوقته بعد اعتزاله الكرة في الثلاثين من عمره‏، فدخل سلك التحكيم وتدرج حتى نال الشارة الدولية عام 1966، تفرغ للعمل الإعلامي‏ ليتابع حلمه الأول الذي بدأه منذ أن كان طالباً في جامعة دمشق عندما اشتغل في الإعلام الرياضي عبر الكتابة للعديد من الصحف المحلية وفي أواسط الخمسينيات وهو مازال لاعباًً.
عمل في صحيفة البعث‏، التي كانت تصدر بشكل أسبوعي، وعندما تأسست صحيفة الوحدة إبان الوحدة بين سورية ومصر عام 1958 عمل محرراً فيها بل تسلّم القسم الرياضي‏. وعندما تأسس التلفزيون العربي السوري في العام 1960 كان أول معد ومقدّم للبرامج الرياضة،‏ وبقي رئيساً للقسم الرياضي في إذاعة وتلفزيون الجمهورية العربية السورية حتى وافته المنيّة عام 1995 عن عمر ناهز الستين عاماً.
خلال مشواره هذا أعد وقدّم برامج شيقة كالثلاثاء الرياضي وعالم الرياضة والرياضة حضارة وغيرها،‏ كما أسس البرامج الرياضية في إذاعة دمشق ولعل أبرزها البرنامج الناجح جداً “ملاعبنا الخضراء” الذي يغطي مباريات الدوري المحلي، وخلال دورة ألعاب البحر المتوسط التي استضافتها اللاذقية عام 1987 م تألق في التعليق وأقام استوديو خاصاً لنقل جميع فعاليات الدورة جعل الجميع يشيد بهذه التغطية الرائعة جداً والمتميزة.‏
في عام 1963 م كان أبرز مؤسسي صحيفة الرياضة وفي العام التالي أصدر جريدة الموقف الرياضي ثم صحيفة الملاعب ومنذ صدور صحيفة الاتحاد واسعة الانتشار عمل رئيساً لتحريرها حتى فارق الحياة،‏ خلال مشواره الحافل تقلّد عدّة مناصب رياضية أهمها عضوية اللجنة المركزية للاتحاد الرياضي العام وعضو لجنة الحكام العرب وعضوية اللجنة الإعلامية للاتحاد الآسيوي، ونائب رئيس الرابطة العربية في إذاعات الدول العربية ورئاسة لجنة الصحفيين الرياضيين السوريين وغيرها.
غاب “عدنان بوظو” عن الميادين الرياضية السورية جسداً، لكن صوته وقلبه ووطنيته بقيت بيرقاً يرفف في وجدان كل سوري وصلت لمسامعه كلمات هذا الرجل الأسطورية وهي تعلن أن الشمس السورية هيهات أن يحجبها غيم مارق.. هيهات.

تمام علي بركات