ثقافة

“توفيق أحمد”..الأعمال الكاملة القابضة على جمر اليقين..!

تنصاع مفردات الشاعر توفيق أحمد في نصوصه لذاتية تتمحور حول التقاط الممكن..فمن التشبث بروابي التذكر الطفولي..إلى فهم الحاضر المفعّل بطريقة منتشية تجمع عناصر التكوين الشعري.
تتماهى دقائق البوح عند الشاعر مع هيبة المعطى الجمالي..فاتحاً باب التجريب اللغوي من انزياح أسراب المفاهيم وإطلاقها. تجلّت ذاكرته-أي الشاعر- في صور متعددة الطقوس تحاكي الذاكرة في تصاوير عاطفية صرفة..
أشياؤها أوهنَها الشبق..
في أجوائها
نسيسٌ لروائح أقمارٍ مهزومة
مغاراتُها خائفة..
لجهاتها
نوافذُ صفر هرمةٌ
وعلى وجوه أشجارها
سَفر باتجاه النهايات العطشى..!
الانسجام النابع من مسرّة أناه المتكلّمة الدّالة على الوجود، يأتي تأكيداً على دور الترابط مابين المتن والطروحات..” أنا الصوتُ الذي يزداد عمقاً/لِيوقِظ ما تبّقى من طُلولِ..”.
وبالرغم من اعتراف توفيق أحمد بأنه لايزال شهقة الثأر بصدر الرجل..يعود بنا أدراج الغواية الشرقية المسربلة بانعكاسات مكللة بالنشوة ..لا تخلو من غرور الشاعر الذي أكد ولادة الكلمات من صلب جراحه.. مقارباً الحالة بتنهّد الفجر الوليد.. فوجهه الآخر لم يلبسه..ليترك لنا الحيرة تتلظى في استقراء وجه آخر تركه للسؤال.
يأتي الغرض المنشود في أغلب الأعمال، نشيداً ربما لم يكتمل، وهو إفصاح ذاتي لاستشراف القادم..ومساءلة لكسر الوقت  وفتح باب المسير..أعمالٌ تبحث في الغرض الشعري عن خلاص الشاعر..مرة بالنهي والنفي، ومرة أخرى بتوصيف المكان ..فجبال الريح التي عانقت في بوحها الفضاء العاري، نسجت من صفيرها حريراً.. وهذي سمة (الهارموني) بين الشاعر مع عناصر الإبلاغ الموقّوت.
يمشي على أُفُقٍ ظلامي المكانِ
كأنه جبلٌ قصي
لا تشبهه الجبالْ..!
جاء التشخيص في أغلب نصوصه مؤنساَ ومواكباً انزياح الصور برغبة أدخلتْ القارئ في أروقة البيان..والبحث عن سياقات أشعل فيها همّة القول بأناه المتجددة في كل نص مذيّل بالغواية ..حيث يطوف بها في مدار الحلم والتجلّي وخوابي الوجد..
في مساءٍ وقفَ الحلم على
خده يسأله ما الخبر..
يلتقي نخلٌ وموج مثلما
تلتقي شمس الضحى والقمر..
ويأتي التشخيص في كثير من الحالات رافعة للصورة الذهنية.. ويقلدها وسام التدرجات اللفظية التي تهيئ الإطار العام للفكرة المراد أنسنتها..!
في النصوص مخزون تأملي بنيوي قوامه التقنيات المنتقاة في البناء والوحدة النصية..وأفكار مستقلة بحماستها الدلالية، تنطوي على فطرة و”كمشة” فيوض تعيد رسم المكان.. وتزركش الخطا بأثواب منطوقة ضمن مرجعية اللغة الواثقة..!
إذن، في هذي التجربة ، يحاول الشاعر توفيق أحمد أن يضع عناوين شغفه بخطوط لا تخلو من العفوية على ناصية التذوق والتعايش مع الحالات..ليترك الصيغ اللفظية تأخذ امتدادها في جلاء القول ورعشة البوح..!
لؤلؤتي أنتِ
ولم تخطر على بالِ البحار
ملأَتْنِي بضجيج الدهشةِ الكبرى
وصاغتني  كناراً يبدع الشِّعر
يهيئ الشاعر مناخ التقاويم ليخصّب التراكيب بما يخدم الغرض.. وكرمى لملهمته وفاتنته في سرد يؤمّن على الأقل مؤن استمراره عشقاً ووجداً للذات والمأمول..
والتقينا..
كانت(البدلةُ) سجادة عشقٍ
لأباريقِ الشتاء
ليس إلا الصمتُ في عينيك يغريني..!
إذن..هي المناسبة وإحياء اللازمة..مغامرة استدلال على حافات الترقب..تأخذنا إلى ماهية الذات..أو ربما إلى اللحظة القابضة على جمر اليقين.. فيستدعى المتخيل إلى واحة الدراية والانتقاء والاصطفاف دون تدوير واستطالة..إلا في حالات تتسمر فيها كثافة الحالة عند حدود “الزمكان”..!
رائد خليل
الكتاب صار عن الهيئة العامة السورية للكتاب2014
تصميم الغلاف:رائد خليل