ثقافة

“لويس ماسينيون” الباحث في جوهر الأديان

ولد لويس ماسينيون في فرنسا عام 1883 وتوفي في فرنسا 1962، اختار الفلسفة والأدب وحصل على الإجازة فيها عام 1902، ثم تقدم ببحث عن بلاد المغرب بعد زيارة لها ونال دبلوم الدراسات العليا عام 1904، تابع دراسته للحصول على دبلوم اللغة العربية (الفصحى والعامية) من المدرسة الوطنية للغات الشرقية عام 1906 ألقى بالعربية نحو أربعين محاضرة حول “التكوين التاريخي للاصطلاحات الفلسفية”، وكان طه حسين أحد تلامذته.
كان ماسينيون يحب اللغة العربية حبا عظيما، ويعتقد أن مجد اللغة العربية إنما يقوم على هذه القداسة التي تربطها بالنص الكريم، فعشقها عشقا روحيا صوفيا، لأنها وسيلة التأمل والمناجاة، هي لغة الوحي، ومنه استمدت مجدها وقداستها. ولقد أحبها لأنه وجد نفسه فيها، وتعمق فيها، وكشف كثيرا من أسرارها، التي  لم تكشف لغيره، وكان يروقه منها أنها لغة مرّكزة، تنبعث من ألفاظها المعاني، كما تنبعث الشرارة من الحجر، وهي تجيد التعبير عن المجردات، لم تصل واحدة من أخواتها إلى مستواها، وبدت فيه العبقرية السامية على أوضح وأكمل صورة. ولهذا عاتبه بعض بني قومه، بسبب امتداحه العربية وهيامه بها، وقد كان اًّتهم بالغلو في امتداح اللغة العربية التي كان أسيرا لجمالها وحسن أدائها وروعة أشكالها.
كان ماسينيون ابن بيئته ومجتمعه، أراد جورج بيكو الاستفادة من خبرته في معرفة اللغة العربية والديانة الإسلامية فاتخذه مستشاراً عّله يساعده في مساعيه لإقناع المثقفين العرب بالفكرة الاستعمارية أو الكولونيالية، وخدم في الجيش الفرنسي خمس سنوات خلال الحرب العالمية الأولى ثم حاول الخروج من فخ المؤامرات السياسية، إذ آلمته خيانة بلفور فكتب لاحقا في مقدمة تقويمه للعالم الإسلامي “نسينا التزامنا بكلمتنا للعرب ولم تعد تقودنا إلا المعدات”
إن استقلالية شخصيته وتفكيره العلمي ونشاطه الميداني وأعماله الأدبية العديدة التي أحيت كثيرا من التراث العربي والإسلامي، وبتقدير كثير من الشرقيين واحترامهم، أظهرت تعاطفه مع العرب والمسلمين وكان قد حصل عام 1922-بعد دراسة مستفيضة- على الدكتوراه  برسالة عن “آلام الحلاج شهيد الإسلام الصوفي” تبعها برسالة حول “المفردات التقنية للصوفية الإسلامية”. وقد وقف ماسينيون ذكاءه ونشاطه الفكري على التنقيب في الإسلام، آثارا ونظما اجتماعية ولاسيما تصوفا، ذلك التصوف الذي جعل منه متصوفا يدرك جوهر الأديان ويدعو أصحابها إلى الوئام. أدان الثقافات  الدينية التي تُؤثر الحب البشري على الحب الإلهي، وبالتالي دافع ماسينيون عن الوحدانية في الإسلام ورفض الدخول في الصراعات الدينية.
أحدث ماسينيون ثورة في الفكر بعد أن شكّك في رسالة فرنسا وبريطانيا اللتين لم تفيا بوعودهما للعرب بالاستقلال، فبدأ يجاهد في سبيل الحق مقتديا بغاندي في سياسة اللاعنف، ووسّع تضامنه مع البشرية حتى أقاصي الأرض، ولم يأبه بسخرية معاصريه جراء دفاعه عن المضطهدين وجهاده من أجل السلام ونضاله في سبيل تحرير الجزائر ومنح المستعمرات استقلالها. وإن كان قد أقحم في نهاية الحرب العالمية الأولى في الصفقات والمساومات الفرنسية والانكليزية على الشرق الأوسط، عاد إلى القدس بعد الحرب العالمية الثانية متصديا للصهيونية الإسرائيلية ولكل محاولة استعمارية. ويبدو أن ماسينيون كان صادقا في كلمته سليما في نواياه، فهو الذي أسّس لجنة التفاهم الفرنسية بين المسيحية والإسلام ثم أصبح رئيساً للجنة العفو عن المحكومين في بلاد ما وراء البحار 1954 وعضوا في جمعية أصدقاء غاندي وفتحت له أبواب عدة ليكون عضوا في مجامع علمية غربية وشرقية منها: الجمعية الآسيوية ومجمع اللغة العربية في القاهرة منذ إنشائه عام 1933.
بلغت مؤلفات ماسينيون أكثر من مئتي كتاب ومقالة منها: “عالم الإسلام” “1912-1913” والكنيسة الكاثوليكية والإسلام 1915 ومن مقالاته:تاريخ العقائد الفلسفية العربية في جامعة القاهرة 1912 -1921
ويقول جان موريون في مؤلفه عن ماسينيون: “لا يمكن فهم كتابات ماسينيون وأعماله، وكذلك الأمر بالنسبة لغاندي، ما لم نسّلم بما يلي: هناك نظام أخلاقي لا ندرك قيمته لأنه خارج عن إرادة الفرد ومصلحته، كما أن هناك عدالة كامنة في الذات لا تخضع للأهواء وللأنانية البشرية من أجل هذه الحقيقة كرسّت نخبة من النفوس حياتها وبالتالي بقيت أسماؤها حاضرة في ذاكرة العصور”.
إبراهيم أحمد