محليات

بين قوسين دليل فساد !

لا يعتقد بعضهم أن “المخترة” منصب اجتماعي وجاهي تغلب عليه صفات الكرم والشهامة والغيرية والزعامة “كما يصوّره لنا الموروث التاريخي للحي أو القرية، فالواقع المعاصر لم يعُد يعترف بتلك الشخصية ذات الظل الطويل والتأثير النفسي المتعارف عليه بل تحوّل المختار إلى منصب وكرسيّ وانتخابات ومنافسة ومعاملات وأوراق تعيين وإقالة وفساد ورشاوى وعمليات تحايل على القانون، وكل ما يخطر بالبال من ممارسات وظيفية مطعّمة بتوابل العمل الحرّ وقوالب التعقيب وتصيّد مشكلات وحاجات الناس؟.
ونقول لمن لا يدرك أو يستهتر بدور مختار حيّه: إن هذا الشخص الذي يتربّع على طاولة وسط غرفة مسبقة الصنع أو مكتب صغير ضمن محل أو شقة أو بيت عربي، هو ركن أساسي من أركان الدولة وله دور حيوي جداً لا بل أساسي في أغلب تعاملاتنا ومصالحنا في الحياة وفي المؤسسات وأجهزة الحكومة، في ظل مجمل الإجراءات التي تترتّب على موقف وإفادة المختار وتوظيف الختم “الدائري” الذي يحمله، فعلى هذا التوقيع تدبّج كل الموافقات و”اللا مانع” وحتى الرفض والسلسلات الطويلة من “الإيجاب والمنع “؟.
إنهم ممثلو الأحياء والقرى والمسؤولون عن أحوال الناس وضبط الأعمال في مناطقهم وعليهم تبنى أكبر القضايا والمشروعات التكتيكية منها وحتى الاستراتيجية، وهنا مربط الفرس في قياس مدى قناعة الشارع وأبناء الحي بمصداقية وأمانة المختار في صياغة التوجّه الأخلاقي قبل الوظيفي والمسؤول، وهذا ما أصبح محطّ جدل لدرجة أنه لمجرد التلفّظ باسم “مختار المحلّه” تُنسج القصص والروايات والوقائع عن التلاعبات والتصرّفات وعمليات من السلوكيات المصلحية التي تجعلك أمام متاجر بالمهنة وليس مسؤولاً عن حقوق وواجبات أبناء الحي والقرية؟!.
كلّنا يعرف المختار ولديه نصيب من التجارب معه بحلوها ومرّها، ولكن جميعنا يدرك أن أي ورقة لا يمكن أن تمرّ من تحت يديه إلا بثمن من المفترض أن يكون رمزياً أو ما “يخرج من الخاطر” شرط أن تكون العملية قانونية وسليمة من كل غش أو ادعاء تزوير لتسيير معاملة مخالفة، ولكن الذي يحصل أن المطلوب أجور أتعاب تتناسب مع مستوى المخالفة المرتكبة من منح وثائق لأشخاص ليسوا من الأحياء أو المناطق المسؤولين عنها، وليس انتهاءً بأوراق ربما تخرب “بيوت أناس آخرين” أو تضرّ بمصالح البلد العليا من الناحية الأمنية أو تحرم الخزينة من روافدها القانونية والضريبية، وهنا وفي مكاتب بعض المخاتير بيئة خصبة لصفقات سوداء ومشبوهة تفوح منها رائحة الارتكابات التي لا تخطر بالبال؟.
يقول قائل: إن ثمة نماذج تستحق الثناء على أدائها “المحترم”، لكن نسأل ما هو مبرر بقاء هذا المختار أو ذاك على رأس عمله رغم أنه فاسد بشهادة الجهات الرقابية والتفتيشية وبسجل عدلي متخم بالسجن والإقالة لأسباب تمسّ النزاهة، ومع ذلك يبقى صامداً في وجه التغيير، ليخرج مواطن عادي هامساً: “إن بقاء هذا المختار دليل فساده “؟.
علي بلال قاسم