ثقافة

الفساد الأخلاقي والفساد الوطني..!

لا أعتقد أنني آتي بجديد عندما أذكّر بما قاله رسول المحبة والسلام محمد (ص): (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق). وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أنه جاء بأخلاق أخرى تُضاف إلى الأخلاق التي كانت سائدة قبل مجيئه. فالبشرية قد عرفت منذ نشأتها بعض القيم والعادات التي انعكست على أخلاقها، فقرأنا عن تلك العادات التي ظهرت من خلال رسومها وبعض الكتابات. والشاعر عندما اعتبر أن وجود الأمم مرهون بأخلاقها (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا) كان يشير إلى أهمية امتلاك الأخلاق وعدم التخلي عنها وبالتالي ضياع الأمم.
أردت من خلال ما سبق أن أدخل إلى جزئية صغيرة من خطاب السيد الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم. الذي ركّز كثيراً على الجانب الأخلاقي في الأزمة، موضحاً أنها كانت في جزء كبير منها تعتمد على الفساد الأخلاقي والفساد الوطني، وأوضح سيادته الدور الكبير للأسرة في الحدّ من ظاهرتي الفساد اللتين ذكرتهما سابقاً.
في حقيقة الأمر، المتابع لما حدث ويحدث عبر السنوات العشر الأخيرة المنصرمة يدرك تماماً أننا نسير بانحدار مخيف، لن تكون عواقبه خيّرة وجميلة. فالأسرة التي كنّا نتغنى بتكاتفها وتعاضدها، والحال العاطفية والتراحمية بين أفرادها اضمحلّت وصغرت، وكادت لا تُرى بعد أن باتت أسراً عديدة. فالأب يبدو وكأنه أسرة له عالمه الخاص على شبكات التواصل الاجتماعي، والأم أيضاً عبر ما يحمله هاتفها النقال من برامج دردشة وحوارات ومقاطع فيديو وغيرها، وللأولاد عالمهم الخاص، وإذا قرّرت زيارة إحدى تلك الأسر فستعتقد للوهلة الأولى أنه لا أحد داخل المنزل على الرغم من وجود أكثر من خمسة أفراد أحياناً، ولكن لكل عالمه المنشغل به ومعه.
والأب المنشغل في حالات كثيرة بجمع ما يمكن جمعه من هنا وهناك في سبيل امتلاك سيارة تضاهي سيارة جاره وشقة شبيهة بما يملكه جار آخر دون أي رادع أخلاقي في كثير من الحالات ولا همّ له سوى الركض والبحث الدائم عن مصدر للثروة، حتى ولو كان على حساب الوطن، أو حتى ولو كان على حساب الشرف والأخلاق.
والأم المنشغلة في حالات كثيرة أيضاً بين دوامها وبين عملها المنزلي وبين متابعة ما يأتينا من مسلسلات مدبلجة وغير مدبلجة من كل أقطار العالم على أساس أنه حضارة ورقي وتقدّم وتطوّر، باتت الشاشة هي الأنيس الأكثر قرباً منها في ظل غياب الحنان والعطف الزوجي. أما الأولاد فحدّث ولا حرج، فعالم الموبايلات وآخر صرعات السيارات وقصّات الشعر وإطالة السالف والتغيب عن الدوام المدرسي أو الجامعي وعن البيت لساعات متأخرة من الليل وحتى لأيام عديدة في ظل المناداة الدائمة بالوجه القبيح للحرية هي جلّ ما يشغلهم ويؤرّقهم، إلى أن ظهرت لنا هذه النسخ الغريبة والعجيبة عمّا ألفناه في بيوتنا وشوارعنا وساحاتنا ومدارسنا وجامعاتنا.
وعلى ذكر المدارس والجامعات فإن ما عايشناه قبيل السنوات العشر الأخيرة كان مختلفاً تماماً عمّا وصلنا إليه فظاهرة الترهّل في الأجهزة التعليمية والفوضى في المدارس وانتشار ظواهر مؤسفة في طريقة التعامل فيما بين الطلبة وفي طريقة التعامل بينهم وبين معلميهم لم تكن لتنذر بالخير، فما معنى أن يقف طالب في مدرسة ثانوية وسط الساحة شاهراً سلاحه الفردي؟! وهل يمكن أن نقبل بمظهر ذاك الطالب الذي وقف على مرأى من زملائه ومعلميه مهدداً ومتوعداً مدير المدرسة فقط لأنه لم يدعه يدخل جهاز هاتفه الخليوي معه إلى قاعة الامتحان؟!
طبعاً أعتقد أن الدور الكبير الذي كانت تحتله الأسرة من خلال الأب والأم (المثل الأعلى) ومن خلال المدرسة (فالمدرّس كان بمثابة المثل الأعلى للطلاب) قد ساهم في الحفاظ على الأخلاق العامة والتغني بالانتماء الوطني وترسيخ تلك المفاهيم وعدم السماح بالإخلال بها أبداً، فما نعنيه اليوم يتعلق بنسبة كبيرة بانحسار هذا الدور، وقد باتت الأخلاق العامة والوطنية في مستوى لا يمكن القبول به ولا يمكن السماح بانخفاضه أكثر من ذلك حفاظاً على البقية الباقية من إنسانيتنا، ومن وطنيتنا أيضاً.
فهل ستسرع الجهات المعنية، ابتداء بالأسرة، ومروراً بالمدرسة والجامعة والنخب الثقافية والعلمية والدينية، وصولاً إلى الأجهزة المختصة، بوضع القوانين الصارمة التي تكفل عدم الإخلال بهذه الأخلاق وهذه القيم الوطنية لمعالجة ما يمكن معالجته، ووقف المزيد من هذا الفساد الأخلاقي وهذا الفساد الوطني؟! سؤال برسم قادمات الأيام!
رمضان إبراهيم