اقتصادتتمات الاولى

تركة ثقيلة تستوجب مبادرات أكثر فاعلية وصرامة فلتان الأسواق يضع وزارة “التجارة الداخلية” أمام امتحان صعب لقلب المفاهيم السلبية

 

لا شك أن التركة ثقيلة على وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك الجديد حسان صفية، ولاسيما أن الوزارة منذ إحداثها، لم تفلح في تقديم نفسها على أنها حامية للمستهلك والأب الراعي لشؤونه الاستهلاكية اليومية، عبر زعمها بين الفينة والأخرى أنها الذراع الضابط لحركة وانسياب السلع في الأسواق، ومراقبة أسعارها ومدى مطابقتها للمقاييس والمواصفات..الخ.
اليوم الوزارة أمام امتحان صعب بقيادة وزيرها الجديد لنسف كل المفاهيم السلبية الناجمة عن تقصيرها وما أفضت إليه من تجاوزات من العيار الثقيل من قبيل تقصير الأجهزة الرقابية في ضبط الأسواق حيناً بحجة عدم وجود الكادر المطلوب لهذه المهمة، وتواطئها مع التجار حيناً آخر “وفق بعض المراقبين”، والتذرع بتداعيات الأزمة في معظم الأحيان، لتوَجّه بالتالي للوزارة تهمة تضليل المستهلك، وخاصة أن جلّ مديري وموظفي الوزارة يؤكدون دائماً أن 90% من المواد والسلع محررة، وهنا بيت القصيد، حيث إن أكثر ما يهم المستهلك وبالدرجة الأولى موضوع الأسعار وليس مدى مطابقة السلعة للمواصفة، وإذا ما تجرأ وتقدم بشكوى بحق أي تاجر فغالباً ما تكون حول تسعيرة السلعة وليس نوعيتها وطبيعة المواد الداخلة في تصنيعها ونسبتها..الخ، ليس هذا فحسب بل إن المخالفة لا تأخذ مجراها إلا في حال عدم الإعلان عن السعر وبغض النظر عن سقفه بالنسبة للمواد المحررة، أما تلك غير المحررة البالغة نسبتها 10% فتقع عليها مخالفة رفع تسعيرتها إلى جانب عدم الإعلان عن السعر، ما يعني أن الكرة في ملعب المستهلك الذي غالباً لا يبلّغ عن المخالفات وفي حال تبليغه يسارع إلى إسقاط حقه، فأين إذاً الحماية الفعلية للمستهلك؟.

تسامح ولكن..!.
ظاهرة أخرى نلمسها يومياً عبر تجوالنا في أسواقنا المحلية تتمثل في بيع نسبة لا بأس بها من المواد والسلع وخاصة المحررة منها بسعر أقل من المحدد لها، وهذا الأمر -للوهلة الأولى- يريح المستهلك وأحياناً يغريه بشراء السلعة، وربما لا نبالغ إن قلنا إنه يحسن الظن في التاجر ويعتقد في قرارة نفسه أن المُنْتِج متسامح بالبيع ويحاول كسر السعر كي يتسنى لأكبر شريحة ممكنة أن تستفيد من منتجاته، لكن إن محّصنا قليلاً في هذه المسألة، نجد أنها نوع من أنواع المراوغة، لسبب بسيط نعتقده -ومن منظور اقتصادي بحت وليس من باب التشكيك بمساعي المُنْتِج الإنسانية- وهو أنه ليس صاحب جمعية خيرية غير ربحية هدفها مساعدة الفقراء والمحتاجين، وإنما هو رجل اقتصادي يسعى إلى الربح المشروع، وهذا بالتأكيد من حقه، وانطلاقاً من هذا المبدأ نعتقد جازمين أن لديه هامش ربح لا بأس به –إن لم نقل كبيراً- رغم أنه يدوّن على السلعة سعراً أقل مما تباع به.
لكن في المقابل نجد أن كثيراً من المواد والسلع –حتى غير المحررة- أسعارها تجاوزت الخطوط الحمراء مثل السكر والفروج والخضار والفواكه..الخ، علماً أن وزارة التجارة الداخلية تصدر نشرة أسعار استئناسية أسبوعياً، ولدى مقارنتها مع واقع الأسعار الفعلي نلاحظ وجود نسبة ارتياب تصل أحياناً في بعض السلع إلى 25%.

تضارب
معادلة تحتاج إلى من يفسّرها من المعنيين في الوزارة وخاصة مديرية الأسعار التي تكتفي بالقول دائماً: إن الأسعار محددة للمستهلك من الوزارة لكل السلع والمواد غير المحررة، وفي حال الارتفاع تبرر المديرية أنها مرتبطة بالسعر العالمي وتم تحديد السعر للمستهلك بناء على بيانات ومعطيات إجازات الاستيراد، وسبب التضارب بين سوق وآخر يعود حسب كل إجازة وأخرى، وفي حال عدم التزام التجار بلائحة الأسعار المحددة من الوزارة، تُرمى الكرة في ملعب مديرية حماية المستهلك على اعتبار أنها المسؤولة عن مراقبتها وضبط المخالفات.

حرص..!.
أما مديرية حماية المستهلك فتصرّ دائماً على التأكيد أن أجهزتها تترقب حالة السوق بشكل دائم وحريصة كل الحرص على قمع أي مخالفة سواء كانت متعلقة بالسعر أم بالجودة والنوعية، وأنها تعمّم بين الحين والآخر على مديريات التجارة الداخلية في المحافظات بضرورة تشديد الرقابة على الأسواق المحلية حمايةً للمستهلك، وضبط أي مخالفة تتعلق بارتفاع الأسعار غير المبرر مع ضرورة إلزام كل أصحاب الفعاليات التجارية والخدمية بالإعلان عن الأسعار وتداول الفواتير وبطاقة البيان، وفي حال المخالفة تتخذ أشدُّ العقوبات بحق المخالفين وفقاً للقوانين والأنظمة النافذة، بهدف إحكام الرقابة التموينية على الأسواق الداخلية ومنع وقمع أي ظاهرة لارتفاع الأسعار، وتدعو المستهلكين باستمرار إلى الإبلاغ عن أي مخالفة تتعلق بالتلاعب بالأسعار أو غيره لقمعها مباشرة.

فوضى
يرى بعض المراقبين أن فوضى السوق الحالية مترافقة مع غياب دراسات حقيقية عن التكلفة، وتلعب دوراً مهمّاً في فلتان الأسعار، فعند ارتفاع سعر أي سلعة رئيسية (مازوت، اسمنت، بنزين الخ) نلاحظ أن أسعار المواد المرتبطة بهذه السلع قد ارتفعت بالنسبة ذاتها أو أكثر، وكأن السلعة مكوّنة بالكامل من المازوت أو الاسمنت، وما يساعد على هذه الفوضى هو العوامل النفسية المرتبطة بالبائعين والمستهلكين، وهي من بين الأسباب الرئيسية لزيادات الأسعار في الاقتصاد السوري، فالبائعون والمنتجون مثلاً لا يدعون أي فرصة لرفع الأسعار إلا ويستغلونها بسبب الرغبة في أرباح إضافية.

علّنا نفلح
مقصدنا من هذا العرض هو تشخيص واقع السوق ووضع الوزارة بحيثيات ما يجري فيه، علّنا نفلح في إيصال رسالة المستهلك لمن تعهّدوا بحمايته، وربما نصيب لبّ الحقيقة إن قلنا إن الوزارة لم تأخذ الدور المنوط بها تجاه السوق والمستهلك كما يجب وخاصة في هذه الأزمة الراهنة، التي تستوجب عدم التساهل مع من يتاجر بقوت العباد، وسنّ قوانين تفرض عقوبات صارمة بحقه، وربما العودة إلى زمن دوريات التموين باتت من ضروريات المرحلة مع إعطائها صلاحيات أكبر للحزم.
دمشق – حسن النابلسي