اقتصاد

تجاوباً مع التوجّه الحكومي القديم – الجديد لمكافحة الفساد دعوة مفتوحة لتقمّص دور “الفسّاد” الشريف في الإبلاغ عن التجاوزات إخلاءً للمسؤولية

يُكثِر تنفيذيونا -وخاصة رؤوس أهرام وزاراتنا ومؤسساتنا- هذه الأيام من الحديث عن مكافحة الفساد، وكأنهم يرسمون بشكل غير مباشر الخطوط الرئيسة للحقبة الحكومية الجديدة، وهنا سنضمّ صوتنا إلى صوتهم دون مواربة وبكل شفافية، وسنقولها بالفم الملآن: دعونا كمواطنين نمارس دور (عادل الفسّاد) الشخصية الكاريكاتورية في المسلسل الشهير “ضيعة ضايعة”، لتقديم الدعم لهم ومؤازرة توجّههم وتجسيده بالفعل لا بالقول على أرض الواقع.
هي دعوة بعد أن وصلنا إلى مرحلة يتوجّب فيها على كل الشرفاء -المواطنين قبل المسؤولين- السعي بكل ما أوتوا من قوة إلى تدمير آفة الفساد الذي لا يقتصر فقط على موظفي القطاع العام المستغلين لمناصبهم الوظيفية، بل يتعدى ذلك إلى أصغر عامل في القطاع الخاص، فبائع البسطة –على سبيل المثال- غير المبالي بصحة وسلامة المستهلك يعتبر فاسداً في عرف وتقاليد مكافحة الفساد، وعامل البناء غير الملتزم بأخلاقيات مهنته أيضاً فاسد مثله مثل أي وزير أو مدير عام يستغل منصبه على حساب المصلحة العامة.
وشاية وطنية
كل هذا يجعلنا محط مسؤولية تدعونا إلى الانضمام لمؤازرة التوجه الحكومي (القديم – الجديد) سواء عبر التزامنا بعدم التورط بقضايا فساد ورشوة، أم من خلال إبلاغنا عن بؤر ومواطئ الفساد، مع الإشارة إلى أن الإبلاغ هو مهمة ومسؤولية وطنية وليس عملاً مشيناً كما تنظر إليه أغلبية المجتمع، وربما لا نبالغ إن قلنا: إن التحرر من ثقافة عيب الوشاية عن الفاسدين هي خطوة نحو إصلاح ذاتنا، لنكون بالفعل مواطنين نستحق الإصلاح بجميع مناحيه عملاً بمبدأ (كما تكونون يولّى عليكم)، وإلا فإن صمتنا عن الفساد يجعلنا بشكل أو بآخر شركاء له ولخفافيشه، كما أن الإبلاغ عن مواطن الخلل الحكومي وتجاوزات القطاع الخاص يخلي المسؤولية عنا كمواطنين من جهة، ونرمي الكرة في ملعب صاحب القرار كي يتخذ إجراءاته اللازمة من جهة ثانية.

بعيداً عن الكيدية
يرى الاقتصادي صفوان العبود أن الأساس في قمع الفساد الذي لم يعُد يقتصر على كونه ظاهرة وإنما تعدّاها ليصبح ثقافة تحكم سلوكيات المجتمع برمته، هو الرادع الأخلاقي والضمير الإنساني الحي بدليل أن محدودية الرشوى في الدول المتقدمة سببها بالدرجة الأولى أخلاقي، معتبراً أن أغلب القوانين والتشريعات السورية إيجابية 100% من الناحية النظرية وتصبّ في المصلحة العامة، لكن ما يشوبها هو سوء التطبيق العملي نتيجة تقصير القائمين على تنفيذها من جهة، وعدم المتابعة المستمرة لها وما يمكن أن تحققه من أثر رجعي يبيّن مدى حاجتها إلى التعديل من جهة أخرى، وبالتالي فإن شكاوى المواطنين سواء المتعلقة منها بالإبلاغ عن ارتفاع الأسعار، أم المتعلقة بحق موظف مرتشٍ، أم غير ذلك من الشكاوى بأي تجاوز كَبُر أم صَغُر، تساهم في الحدّ من التوسّع السرطاني للفساد، شريطة ألا تخلو من الجدية والمنطق، وألا تكتنفها عوامل كيدية شخصية.

فضح المستور
العبود لفت إلى أهمية القيام بحملات إعلامية واسعة ترفد عمل الأجهزة الرقابية، بهدف توعية المواطن لكونه الذراع الأكثر فعالية للمساعدة في هذا المجال، إضافة إلى المضي قدماً بمشروع الحكومة الإلكترونية التي تحول دون التماس المباشر بين الموظف والمراجع، داعياً إلى ابتكار أساليب وطرق من شأنها أن تسهم في نجاح آليات عملهم من قبيل تشكيل لجان سرية في كل الدوائر الحكومية غير مرتبطة بالرقابة الداخلية، مهمتها القيام بإعداد تقارير دورية تشخّص واقع سير المفاصل الحكومية ما يؤدّي بالنتيجة إلى تجفيف منابع الفساد، إلى جانب نشر أسماء جميع الفاسدين في وسائل الإعلام بعد التأكد من تورّطهم، الأمر الذي يشكل رادعاً قوياً لكل من لديه ميول بهذا الاتجاه.

لا تؤاخذونا
ربما يأخذ بعض الناس علينا هذا الطرح، ويلصق بنا تهماً من قبيل (الوشاية – الفسفسة..الخ)، ولكننا نعتقد أنه حان الوقت لنضع حداً لكل التصريحات الصادرة عن مسؤولينا، التي تُحمّل المواطن مسؤولية عدم التعاون والتجاوب مع التوجهات الحكومية لمكافحة الفساد، باعتباره –أي المواطن- شريكاً بهذه المهمة، وبالتالي لا ضير مطلقاً في تحمّل مسؤولياتنا والإبلاغ الجدي عن كل التجاوزات وإن كانت صغيرة بنظر بعضهم، لأنها بالنتيجة نواة لصفقات كبيرة قد تتم لاحقاً، تماماً ككرة الثلج تبدأ بحجم قبضة اليد وتتدحرج لتصبح بحجم صخرة ضخمة تسحق بثقلها كل من تطَؤه!.
دمشق – حسن النابلسي