ثقافة

قراءة في ديوان “امرأةٌ إلّا قليلاً ” للشـــــاعــــــرة “وفـــــــاء دلّا”

شاعرتنا وفاء دلّا في ديوانها المُعنون “امرأةٌ إلّا قليلاً” تمتطي بجرأةٍ وعناد فرس القصيدة المعصوبة بتوجسات الشماتة، وانحدار القيم التي تتغنى بها كثيراً، هي امرأةٌ من شرقنا المغمس حتى آخره بعنتريات الذكورة الموروثة من غبار وعجاج التاريخ المنقوع بالترهل والارتباك؟! شعرها يجرؤ في مشاغلة التيار، يحرق أنامله، يشعل ريقه الناشف، زيت قنديل؟ يتلهى بنعاس فتيله القاربَ على النواس، وارتحال إلى عالم من العدم الفاغر فاه، وكتنين الأساطير هاهي تقول:
“خذ خارطتي/ في غابات فؤادي تجولْ/ أرجف ألماً، عند غيابك/ دعني عند حدودك أسهر”    ص 20
شعرٌ يتأوه صباحاً على شفة فنجان قهوة مُرةٍ، سكرها مشغولٌ بفنجانٍ آخر، ضيع أنفاس الوجه المدردش بالندى، لائباً كطفلٍ يناغي ثدي أمه التي راحت تعبث، بقراءة قعْر الفنجان، ويتفصد جبينها بحبيباتٍ خجولات من العرق:
“هي من شفت بمداد إصبعها الفؤاد/وهي الدماء تضخ ورداً/ في عروقي أو تكاد/ في صمتها هي وحي شعري والمداد” ص 5
وتتابع روعتها الشعرية في محبة الوطن “سورية” التي من قلب الأسطورة السورية، والفينيق الذي يحترق كي يتجدد، نحن أمةٌ في الموت توهب لنا الحياة:
“هي من سلالة موجةٍ تركت بحار الأرض/ مسهدةً وغطت في الرقاد/ هي طفلة البرق الأخير/ وقلما لمعت بروقٌ في السواد” ص 52
بالرغم من أن الشاعرة تتألق في أراجيح القصيدة “التجاوز والتخطي” طفلها “فَقَعَ” من البكاء، وراح مرتاحاً في هدوءات النَّفس الأخير.
يتواجد بين حنايا ومنعطفات قصائدها “امرأةٌ إلا قليلاً” شعرٌ تتجلى “أظعانه” الموغلةُ في عذابات الرحيل، على طريقة “هَدُّ وْرَحَلْ” بحثاً عن الأخضر والماء ومن قصيدة “حين أراك” ولا عجب بأن شاعرتنا جرأتها في مخاطبة الذكورة واضحة وجليةٌ، وأقولها علناً، إنها غير فزعةٍ، لا تهدأ أبداً من مناكفة الآخر كي تشعر بأنوثتها، وإنسانيتها، لا سلعةً تباع، ولا ليلةٌ شائبة:
“حين أراك/ تنهار آخر سلسلةٍ من جبال قلبي/ ويرقصُ دمي/ رقصة السنابل/ حين تدغدغها الريح قبل الحصاد” ص 69
لماذا عنونت الشاعرة وفاء دلا ديوانها بـ “امراة إلا قليلاً”؟! وكأن هذا السؤال المحير، قد ذاب في هدأة ليل الشعر/ القصيدة، وابتلاه قطاع الطرق، من ذوي الوجوه الملثمة ذات الملامح “الخلاسية” وتعرى الليل قدام نجومه وما استحى، ولا خجلت تلك الثريا من هز السرير حتى غفا “راعي العوجة” وغطَّ في شخيرٍ، فزَّع “نواطير القصائد الملتوتة” بملح كآباتها؟! وعادت “بينلوبي” تحيك بأنفاسها، ومرارت صبرها كنزةً لـِ “عوليسها” القادم على ظهر موجةٍ رمته على الرمال، يحلم بلقاء عشيقته الناطرة:
“حين أراك/ أخلع فَرْوَ مروجي/وأتقدم البحر إلى سدرة الزرقةِ/ أتتبع خطواتك المتواطئة مع الأفق” ص 71
تشتغل الشاعرة في هذا الديوان على أوزان مختلفة ومتباينة منها “التفعيلة والعمودي الفراهيدي وقصيدة النثر” بلغةٍ مكثفةٍ، وألفاظِ بسيطةٍ بعيدةٍ عن لغة المتصوفات من الشاعرات، جملها قريبة من القلب، بعيدةٌ عن الغرابة، والتسطح ورغوة الزبد؟!.

الشاعرة: وفاء دلا
الكتاب: امرأة إلا قليلاً
إصدار عام 2004
خضر عكاري
khudaralakari@hotmail.com