ثقافة

ادوارد شمعون.. يبحر في رحلة استكشافية آخرى

بصمت ودون ضجيج غاب إدوارد شمعون، أعلن رحيله بنبل وترك أهله ومحبيه وكل ما جاهد من أجله في الحياة لعله يكون ذكرى أو رسالة يكملها احد من بعده من بعده.. هل هو من اختار الغياب أم ان لهاثه وتعبه أوصله إلى هذه النهاية فتوقف ينبوعه دفعة واحدة عن التدفق بعد سأم اصاب روحه فأعلن النهاية.
كم يبدو الغياب ثقيلا وغير محتمل حين يدق الموت باب يومنا معلنا نفسه ضيفا مقيتا لانستطيع التآلف معه، لكننا نتقبله بامتعاض يرافقنا مدى الحياة، هذا الزائر الذي يقيدنا بسلاسل من استسلام لايمكننا الفكاك منها، فقد رحل الباحث الموسيقي إدوارد شمعون تاركاً تاريخا إبداعيا في الموسيقى.. شمعون الذي دخل في دوامة الصمت بعد أن ادمى روحه مرض كان يتحداه بالعمل أكثر، بعد أن قضى عمره في سبيل حلم رافقه حتى في صمته.
رحل إدوارد شمعون، وربما في اتكائه على الموت يكون قد قرر الابحار في رحلة استكشافية جديدة.. رحلة من الصعب التصديق أنها الرحلة التي لن يعود منها، بعد أن قضى عمره أسير حلمه- مشروعه الموسيقي/ فحكايته مع الموسيقى هي حكايته مع الحلم الذي رافقه منذ الصغر.. هذا الفن المضمخ بروحانية تسمو بالذات فوق ماديات الحياة، وتطلقها من أسر التفاصيل المملة إلى عالم الجمال الرحب.
آمن الراحل شمعون بالعمل الجاد فأعطى كل ما بوسعه لإرساء أسس علمية تقوم عليها موسيقانا وينتشر عبقها في العالم، لأن الثقافة من وجهة نظره تعبر عن حضارة البلد الذي تنشأ فيه بكل أبعادها المادية والروحية والفكرية، وحضارة الأمم تقاس بما تعطي هذه الأمم من إبداع في المجال العلمي  كالاكتشافات والاختراعات وفي المجال الروحي كالابداعات الفنية والأدبية، ومن الضروري الاطلاع  على فنون الشعوب الأخرى انطلاقا من الخصائص المميزة لكل أمة، والتي يمكن أن تنتقل إلى العالمية حين تجد من يتبناها ويعيد خلقها. وكان يصرح  دائما بأن الفن الذي يُقَدم هو فن جاد، وحتى يستمر في الحياة لابد من دعمه وإلا فقد ماهيته وفشل في تحقيق هدفه، مثلما حصل مع فرق فنية عالمية كثيرة بسبب عدم تقديم الدعم لها وتبنيها من قبل الدولة، والفنان حتى يعطي بإخلاص يجب أن يتفرغ لفنه، وهذا يتطلب أن يكون مؤمّنا اقتصاديا حتى يمكنه الابداع، خاصة في مجال كالموسيقى هذا الفن الهام في تهذيب النفوس والارتقاء بالروح.
أما واقع الموسيقى العربية فيتجلى بنظرة الانسان العادي الذي لم يحصل على الثقافة الفكرية والروحية الانسانية التي تجعله يتفاعل مع الموسيقى ويهتم بها، فالكثيرون ممن حصلوا على شيء من الثقافة مازالت تنقصهم ثقافة الفنون، فما تحتاجه الموسيقى هو جمهور ناقد يميز بين الجيد والسيء في الفن، وملحن يمارس النقد الذاتي ويبحث في أعماق أسرار روحه وعقله، وعازف قادر على ترجمة تلك الرؤية وتحويلها إلى ممارسة على مستوى السلوك والعلاقات الإنسانية.
اهتم الراحل شمعون بالربابة، هذه الآلة الشرقية العربية التي يناهز عمرها ستة آلاف عام، والتي بقيت شريدة الريف والبوادي والخيام بعيداً عن روح التطوير، وهي اليوم لا تختلف إطلاقاً عن الربابة «سبعكة» التي عزفت الأوركسترا في قصر حمورابي.. ومع الأيام حال تجاهل تطويرها دون حضورها في الموسيقا العربية على مر الأجيال التالية، ويقول شمعون أن العرب قتلوا الربابة بتركها لحالها تصارع، وهي التي ولدت من رحمها الموسيقا التي عرفتها البشرية. لذلك اهتم بالربابة التي ولدت –كما يرى- من رحمها الموسيقا، وكانت له ربابته المطورة التي أضاف إليها وتراً جديداً، استطاع تنسيق سلمها الموسيقي بطريقة عصرية تجعل من حضورها في الأوركسترا لحناً فريداً تبعاً للأصالة التي تضفيها، ونقش عليها مقتطفات من تشريع حمورابي ومقولات آرامية تمجد أرض النور “سورية” وهي تشبه إلى حد معقول الكمان الغربي، إلا أنها تحافظ على تأصيلها الشرقي، وقد عزف عليها ألحاناً كثيرة ومرات عدة في الأوبرا المصرية كـ “النهر الخالد” الذي لقي استحساناً عظيماً من الباحثين الموسيقيين.كما غنى على أنغامها بالآرامية لمأساة “هيروشيما” و”ناغازاكي”، واستقى كلمات أغنيته من كلمات حمورابي: “بالسلام حمينا الناس في الشام.. لا يجب أن يغبن الفقير. أكرمت الأرملة واليتيم..”.
وقد سجل اليابانيون احترامهم لـ”شمعون” وطلبوا الربابة التي ابتكرها فأهداهم إياهم، ليضعوها تكريماً له في متحف قعر الحفرة التي خلفتها القنبلة الذرية الأميركية في هذه المدينة، وهي لليوم تقبع هناك حيث يشاهدها الملايين ممن يزورن تلك البقعة في كل عام. وعلى ربابته تلك كتب شمعون قولا للإله بعل يقول فيه: “حطم سيفك.. تناول فأسك واتبعني.. ازرع السلام والمحبة في كبد الأرض..”، وإلى جانبها كلام اللـه للنبي موسى: “لا تقتل”.
أيضاً لشمعون اختراعات أخرى عديدة، فقد ابتكر عوداً بصوت الفولاذ استقى أوتاره من البزق بإضافة ثلاثة أوتار فولاذية، مستفيداً في ذلك من نقاوة صوت تلك الأوتار، مع “قعر” و”مغر” وخشب الجوز الذي يصنع منه العود، ليخرج بلحن بمنتهى الدفء والرخامة مشفوعا بصوت فولاذي شفاف وواضح. كما كان له ابتكار آخر دمج فيه بين العود والربابة، وعنه نال براءة اختراع محلية في عام 2006.
ولد إدوارد شمعون في ديريك (المالكية) محافظة الحسكة عام 1939 حصل على إجازة في الفلسفة من جامعة دمشق عام 1988 وهو باحث وكاتب وعازف عود وملحن، وعضو نقابة الفنانين.
ألقى محاضرات كثيرة منها: (ملحمة جلجامش كمرجعية شعرية عروضية للشعر الإنساني).
-شارك وألقى محاضرات في مؤتمر الرواد العرب في القاهرة بإشراف جامعة الدول العربية عام 2002. وفي مؤتمر واقع اللغة العربية في بيت الحكمة العراقي ببغداد، في العام ذاته. وفي دار الأوبرا المصرية في القاهرة أثناء مؤتمر الموسيقا العربية الثالث عشر 2004. وأهدى عود محمد عبد الوهاب الاختراع المسمى باسم الموسيقار الكبير ونال شهادة تقدير.
– ابتكر اثنتي عشرة آلة موسيقية عربية وترية، ويمكن لكل عازف على العود أن يعزف عليها بالريشة والقوس .
– حائز على شهادة براءة اختراع عن العروبة عام/1998.
– حائز على الميدالية الذهبية في معرض الباسل للإبداع والاختراع بدمشق، عام2001.
– حائز على الميدالية الذهبية مع شهادة أحسن اختراع وجائزة الأمم المتحدة من مؤسسة الوايبو الدولية عام 2001.
-كرمته نقابة الفنانين السوريين بالميدالية الذهبية في /2003.
الثقافة