محليات

بين قوسين ستبقى الليرة تحكي!

عبارة تختزل مكنونات المواطن السوري وتلخّص جهود الكثير من الجهات ومساعيها للمحافظة على توازن وصمود سعر صرف الليرة أمام الدولار الذي أخفق حتى الآن في قضم قيمتها وتحقيق آمال الغرباء الحالمين بالانهيار الاقتصادي، حيث ما زالت الأمور تحت السيطرة رغم ما تعرضت له الليرة من انتكاسات في مسلسل إضعافها وزعزعة استقرارها خلال الأزمة، ولكنها في النهاية بقيت صامدة وهذه النتيجة ليست من صنع خيالنا أو محاولة منّا للالتفاف على الواقع بل حقيقة تثبتها الأيام وتجارب الحروب وآثارها المدمّرة للاقتصاد على مرّ التاريخ.
وعلى الرغم من موجات ارتفاع سعر صرف الليرة ووصولها إلى أرقام قياسية مقابل دخل المواطن المتواضع أو المغيّب قسراً في زحمة الأزمات، استمرّ الناس في ممارسة حياتهم الطبيعية وتجاوزوا الصعوبات وتأقلموا نوعاً ما مع الظروف الجديدة التي نالت من لقمة عيشهم، فتعالى أنين ليراتهم القليلة في تلك الأسواق المتمرّدة على كل شيء والعابثة بلعبة الدولار في أدقّ التفاصيل الحياتية المهزومة أمام الضغوط الكبيرة التي تدقّ في كل لحظة أجراس الإنذار معلنة النفير العام وخاصة في هذه الأوقات الحرجة والخطيرة.
ولنكون أقرب إلى الحقيقة التي تخدش بمخالبها الواضحة حياة الناس، وكيلا نتّهم بالتنظير والرسم بفرشاة الوهم واقعاً من السراب، علينا أن نحدّد المسؤوليات وأن نضع النقاط على الحروف ونحن نعيش كمواطنين ومسؤولين أيام المحنة التي طحنت بيومياتها المؤلمة ومعاناتها اللحظية بذور تفاؤلنا، فالغريب أن المواطن الذي يشكو من الفساد قد يتحوّل بسرعة كبيرة إلى فاسد من الدرجة الأولى ومتلاعب أو مساهم في لعبة إضعاف الليرة التي باتت للأسف ميداناً للمتلاعبين والفاسدين بمختلف مستوياتهم وأنواعهم ومراتبهم، وهنا يجب التركيز  على  أن مسؤولية ما يحدث على الساحة الاقتصادية المالية لا تقع على عاتق الجهات المختصة  فقط، بل يقاسمها المواطن بكل تصنيفاته الاجتماعية والمهنية ذلك، فالجميع مسؤول عن قيمة الليرة وإيقاف مخطّط ضربها.
وبكل تأكيد ستبقى الليرة ليرة، ونحن لا نتحدث هنا عن حالة مثالية مستحيلة بل هي ممكنة التحقق، فعندما نرفع الغطاء عن كل المتاجرين بلقمة عيشنا وعن كل المضاربين في سوق الليرة ونساعد في تقديمهم للعدالة، وعندما يلتزم التاجر بالأسعار ويقبل بالأرباح القليلة ويبتعد عن استغلال واستثمار الأزمة وتجييرها لخدمة مصالحه، وعندما يلتزم المدرّس بأخلاقيات المهنة ويسقط من حساباته أرباح الدروس الخصوصية، وعندما تلتزم اللجان والجهات الرقابية بواجباتها ومسؤولياتها وأدبيات عملها وتتخلى عن مبادلة آمال المواطن بالمكاسب الخاصة تحت عنوان الرشوة وبيع الضمير، وعندما لا يتاجر المسؤول بمصير مؤسسته وأموالها  بحيث يتم سؤاله عن فانوس ثرواته السحري “من أين لك هذا؟”، وقبل ذلك كله عندما نجعل من المصلحة الوطنية قبلة لكل أفكارنا وندعمها بالأخلاق والعمل الوطني الحقيقي والمسؤول، نصل في النهاية إلى ضفة الأمان.

بشير فرزان