اقتصاد

نقطة ساخنة الـ “لا بد”.. من أجل صحافة استقصائية..؟

قبل يومين احتضنت “البعث” ندوة حول “الصحافة الاستقصائية”، وللأسف لم تتسنَّ لنا المشاركة فيها لأسباب لن نوجع رؤوسكم بها.
لكن ما يمكننا قوله في هذا الجنس الإعلامي ومتطلبات نجاحه وتميّزه، سنسوقه بما استطعنا من اختصار رغم أن ذلك يناقض مفهوم الاستقصاء، إذ نعتقد هنا أن مقولة “خير الكلام ما قل ودلّ” لا تصحّ..
من مجمل ما أسعفنا الوقت بالاطلاع عليه في هذا المضمار، الرأي القائل: إن الصحافة الاستقصائية بمجملها تتعامل مع أدلّة خاصة ومصادر غير معلنة أو تسريبات وحقائق غير كاملة، وإن جعل هذا النوع من الأدلة مادة صحفية مؤثره ليس بالأمر السهل، إذ ترتكز على الكيفية التي يتم من خلالها تناول الفكرة ومعالجتها، ثم الاستعداد، فالبدء في الإنتاج، وأخيراً تنفيذ العمل على نحو يجعل منه منتجاً صحفياً متميزاً متعدّد الأبعاد.
رأي آخر -لعله يتناقض مع الأول أو قد يكون مكملاً له– جاء مُتَضَمَّناً في دعوة إحدى الشبكات الإعلامية المختصة والداعمة للصحافة الاستقصائية، إذ تطلب من الصحفيين المهتمين، تجهيز فكرة جيدة لتنفيذ تحقيق استقصائي قائم على جمع المعلومات وتوثيقها، طبقاً لأسلوب منهجي موضوعي بهدف تسليط الضوء على مشكلة أو ظاهرة تؤثر في المجتمع، وذلك لخدمة المنفعة العامة.
عطفاً على كل ما تقدّم، نوضح أن هذا يعني توفر (مخطط للموضوع وإعداد له ووقت وجهد وآليات وإدارة) لا يقدر عليها أي صحفي، بل لا بد من الموهبة أولاً والفطنة ثانياً والمهنية العالية المصقولة بالدراسة والخبرات المتراكمة والقدرة على التحليل المقرونة بالكفاءة والتميز ثالثاً ورابعاً، أي مؤهلات لها قيمتها وتكلفتها المادية، وهنا نستشهد بما تقدّمه الشبكة الآنفة الذكر من دعم لمن يستحق لقب استقصائي، فهي تتعهّد بتغطية مصاريف الصحفي مضافاً إليها بدل استكتاب بعد النشر أو البث، وتشمل المصاريف: التنقل، والإقامة، وبدل ترجمة وثائق، وإجراء فحوص وتحاليل علمية ومخبرية، ورسوم الحصول على وثائق و”نبش”.. عبر ولوج بنوك معلومات مقيدة على شبكة الانترنت وقواعد بيانات أخرى يتطلبها التحقيق، مبيّنة أن احتساب هذه التكاليف سيكون ضمن ميزانية ترفق مع طلب الاشتراك للحصول على الدعم الإعلامي والمادي والفني والقانوني من الشبكة؛ و”يا هيك الفعل ولَّا بلاش”.
والآن نصل إلى ما بنينا ادعاءنا عليه لنقول بكل صراحة: إن أردتم صحفيين من أجل صحافة استقصائية، فلا بد أن يستجيب المريدون دعماً وتوفيراً لكل أسباب الاستقصاء.
ولأننا خير من يعلم بالملاءات المالية لمؤسساتنا الإعلامية، ولأننا لا نريد تحميلها ما ليس في وسعها، نؤكد أن هناك إمكانية لتغطية المتطلبات المالية والعملانية لمشروع توطين الصحافة الاستقصائية في سورية، ولنا في الإدارة العامة للجمارك أسوة حسنة.
فوفق تشريع المديرية العامة للجمارك، يعطى عناصر الجمارك وحسب مستوياتهم الوظيفية نسباً مئوية مالية من قيمة كل قضية يتم ضبطها بعد التحقيق فيها وإثبات مخالفتها وفسادها، خيار لُجِئ إليه على أساس أن ذلك سيضع حدّاً لمكافحة الفساد في هذا القطاع، علماً أن العديد من تلك القضايا كانت الصحافة صاحبة الفضل في تسليط الضوء عليها وكشفها..
وبدورنا نطالب بالأسوة الحسنة (ليس من باب الحدّ من الفساد) الذي لا ندّعي نزاهة قطاعنا الإعلامي منه، بل هو موجود فيه شأنه شأن أية جهة أخرى، وإنما بالفعل لا بد من إصدار تشريع مماثل للمطبّق في إدارة الجمارك، يؤمّن لصحافتنا عامة ولصحافتنا الاستقصائية خاصة، ما يعينها على هذا الحمل والمسؤولية، وإن لم تدعم بما تستحقه فلن يكون للاستقصائي من اسمه نصيب.
تقول الحكمة: “قبل الرماية تملأ الكنائن”.. فهل نحتكم إليها..؟
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com