اقتصاد

الرهان في الارتهان لـ”التنمية البشرية”

يؤمّ المراكز الثقافية المنتشرة على كامل مساحة القطر الكثير من المفكرين الاجتماعيين والاقتصاديين والسياسيين الذين يقدّمون المزيد من البحوث والدراسات والتحقيقات المليئة بمزيد من الرؤى التي من الواجب أن تكون منهاج عمل لكثير من أصحاب القرار على تعدّد وتنوّع مهامهم.
والحال نفسها بالنسبة للمزيد من المواد التي ينشرها باحثون ومهتمون ومختصون عبر الإعلام المقروء والمرئي والمسموع، وأيضاً الحال نفسها بالنسبة للبحوث والدراسات التي يقدّمها الدارسون في المعاهد والجامعات في المراحل الأولى والعالية، فضلاً عما يتوفر من قدرات وإمكانات ورؤى نظرية لدى كثيرين ربما لا يتاح لهم أن يصدروها إلا عبر منافذ ضيقة جداً ربما لا ترى النور، وكثيرون منهم لا يتاح لهم ذلك، والمؤسف أن الشيء نفسه قائم بخصوص الطاقات والقدرات والمهارات التقنية، الموجودة في البلد، فكثير من هذه الطاقات غير معبّأ، وخاصة في العديد من الإدارات التي تشهد إحباطاً وتثبيطاً لهمم ذوي الطاقات الفكرية والعملية، بدلاً من إجراء كل ما يلزم للاستفادة منها.
واقع الحال يظهر –ولعقود مضت- أن معظم الرؤى الواجب الاستفادة منها، لا تجد من يصنّفها ولا من يتابعها، فلا الجهة المولِّدة أو المُصْدِرة تصنّف هذه الرؤى وترسلها إلى الجهات المختصة ولا الجهات المختصة تطالب بذلك، بل كثيراً ما تبيَّن أن معظم المعنيين لا يحضرون، ولا يشاهدون ولا يقرؤون الكثير مما يثار عما يخص عملهم ويطوّره ويغنيه، ويكشف مثالبه، ما يجعل كثيراً من الجهد المبذول يضيع سدى، لا يسمعه أو لا يقرؤه إلا قلة قليلة، لا حول لها ولا قوة، ومن قبيل الترف الفكري، وكثيرون منهم يخسرون نفسياً وصحياً رغم ما يجنونه من متعة علمية، عندما يتبين لهم أن المعنيين بالأمر لا يحضرون لسماعهم، ولا يكترثون بجهودهم، ولا يتابعونهم حتى عن بُعد للاستفادة من الجهد المبذول ووضعه موضع التطبيق، بل كثيراً ما نرى أن أصحاب هذه الجهود يحظون بجحود أصحاب القرار، حتى إن بعض قيادات الإدارات عمد إلى إبعاد عامليه من هذه النماذج، أو التضييق عليهم لكي يخرجوا مكرهين، ما أدّى إلى إصابة العديد من المهتمين والمتابعين بمرض عضال أو حالة قلبية، وغير ذلك من أمراض، والحالة نفسها فيما يخص ذوي المهارات التقنية.
الغريب في الأمر أن كثيراً من الإدارات، تستهجن القدرات والطاقات والمهارات التي بين أيديها بدلاً من أن توليها الأهمية الكبرى، وتقيم بعض الدورات والندوات وتنظم العديد من المهمات المأجورة –لمصلحة الغير- لعامليها داخل البلد أو خارجه، وأحياناً تستقدم بعضهم من الخارج لإقامة دورات أو لتقديم خبرات، بحجة الحصول على معلومات والاستفادة من مهارات لمصلحة عملها، رغم أن معظم ذلك لم ينجم عنه إلا النفع القليل، لأن كثيراً منه مبطّن بلبوس أشكال وأنواع من النفعية الذاتية المتبادلة بين القادم والمستقدم، بدليل أن كثيراً من ذلك يُستقبَل ويُنفَّذ ويُودَّع بمزيد من الصرفيات المتوجّب تقنينها بل عدم حصولها، وما يصدر قد يوضع على الرفوف عقب الانتهاء.
ولا جدال في أن كثيراً مما هو مشكوّ منه كان ولا يزال قائماً، بدليل أن الخلل والفساد، تأزَّما ولم يتقزَّما، وما كان مأمولاً من تطوير وتحديث، لا يزال محط آمال الأجيال القادمة، ولا ضير في أن نعزو شيئاً من ذلك إلى الحرب العدائية علينا، لكن لا حرج أن نعترف أن الكثير من ذلك كان قائماً ومستمراً منذ عقود، وكان يجب أن نغتنم الفرص في حينها، وأن كثيراً من ذلك يجب أن تكون الحرب الإرهابية حافزاً لتجاوزه لا مبرراً لتكريسه.
السؤال المطروح الآن، ما الدور المنوط بوزارة التنمية الإدارية المحدثة، أليس من المناسب أن يتم العمل على إحداث مديرية – دائرة – شعبة – (في كل إدارة حسب حجم عملها)، معنية بالبحوث والدراسات التي تخدم التنمية الإدارية، وتعمل لتجمع وتصنّف جميع الطروحات التي تدخل ضمن نطاق عمل هذه الإدارة باتجاه اعتمادها لتحقيق الاستفادة منها عبر الاستفادة من جميع الكفاءات النظرية والمهارات التقنية، فهل يقع ذلك ضمن النشاطات المأمولة من وزارة التنمية الإدارية، وخاصة أنه سبق أن كانت هذه الوزارة موجودة من قبل، والدكتور حسان النوري هو وزيرها السابق والحالي؟.
المثل يقول: “اسأل مجرّباً ولا تسأل حكيماً”، فكيف إن كان كلاهما مختصاً!؟.

عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية