اقتصاد

في الاقتصاد البيئي

ثمّة مخاطر كثيرة وكبيرة تتعرّض لها مجاري المياه والمياه الجوفية والمسطحات المائية التجميعية والبحرية، والتربة والهواء، نتيجة تجميع قمامة البلديات في مكبات القمامة المكشوفة أو طمرها، وخاصة ما كان منها من مخلفات المنشآت الصحية الناتجة عن الاستخدامات الطبية، وأيضاً مخلفات المواد النفطية والكيماوية الناجمة عن المنشآت الصناعية، والمخلفات البلاستيكية والبطاريات والمصابيح الكهربائية الناجمة عن الاستخدام الأسري، والحالة نفسها بالنسبة لمياه الصرف الصحي المتعددة المحتويات الخطرة، أكانت جارية أو متجمعة في أكثر من مكان، وتحديداً ما يستخدم منها لإرواء المزروعات في بعض المناطق، ومع ذلك مازالت الإجراءات المتخذة للحدّ من هذه المخاطر، أقل بكثير من المتوجب، وما زال الاهتمام منكباً على معالجة النتائج التي تتمخض عن هذا التلوث، من خلال المزيد من المنشآت والإجراءات الصحية (مشافٍ– مصحات– أدوية– لقاحات- مبيدات) المترافق بقليل من الإجراءات المتخذة لمعالجة الأسباب، ولو تم تكثيف المعالجة باتجاه الحدّ من الأسباب، لكانت الحاجة إلى معالجة النتائج أقل بكثير، ومن المؤكد أن كل إنفاق باتجاه الحدّ من الأسباب، يخفّف ضعف الإنفاق المطلوب لمكافحة النتائج.
كل ذلك يستوجب أن تكون الجهات الرسمية المعنية، مهتمة غاية الاهتمام بمزيد من المتابعة، والمساءلة عن التنفيذ السيئ لمجاري الصرف الصحي الذي يسمح بتسرب المياه إلى التربة نزولاً باتجاه المياه الجوفية، عدا عن الكم الكبير الذي يتسرب عبر المجاري المكشوفة ومستنقعات التجميع، وما يترتب من مخاطر سقاية المزروعات بها في بعض المناطق، وأيضاً المتابعة والمساءلة عن سوء تجميع المخلفات، والتأخر بتنفيذ معامل معالجتها، وتأخر تنفيذ الصرف الصحي وتنفيذ محطات تنقية وتصفية مياهه، وما رافق ذلك من سوء تنفيذ لبعض هذه المحطات، أو عواقب تأخر تنفيذ بعضها الآخر، من الجهات الأجنبية والمحلية المتعاقد معها بهذا الخصوص، إذ كثيراً ما تبيّن أن الكثير من التنفيذ السيئ -أو التأخر- لا يخلو من تعمُّدٍ مقصود لغاية الإساءة والإضرار بالوطن ومواطنيه، ومن المؤسف والمخيف، تراكم المزيد من التلوث، بحيث تصبح الخشية قائمة بأن يتفاقم الموقف وتصل الحال إلى متطلبات كبيرة في نفقات المعالجة، وأن تصبح هناك صعوبة كبرى، أو استحالة معالجة بعض الحالات نتيجة ازديادها عمقاً في باطن الأرض والبحر، أو انتشاراً في التربة والجو والمياه السطحية، وخاصة في المناطق الساحلية كثيفة السكان وذات التربة النفوذة، وخطورة ذلك على هذه المناطق الغنية بالمياه الجوفية والبحرية، التي من المخطط أن تكون رافداً مائياً لبعض محافظات القطر، التي ستتضرر بدورها جراء ذلك.
إن مطالبة السلطات المعنية باتخاذ المزيد من الإجراءات المطلوبة يستوجب أن يكون مأخوذاً بعين الاعتبار أهمية الدور المنوط بالمواطن، من خلال ما يجب عليه تنفيذه لما فيه مقتضيات الحرص على حماية البيئة من التلوث، وذلك في ضوء ثقافته البيئية، وفي ضوء ما تفرضه عليه مديريات البيئة ووحدات الإدارة المحلية في المحافظات –التي أصبحت تغطي مدن وقرى القطر كاملة-، والتي يقع على عاتقها تنفيذ الصرف الصحي بشكل سليم، وتنظيم فرز المخلفات المنزلية والمنشآتية من مصادرها، الموجَّهة والمُلزَمة بذلك قانوناً، والتزامها بتجميع منفصل لكل نوع من المخلفات، والتعامل معه علمياً وفنياً وصناعياً، وفق المتطلبات البيئية الناظمة لعمل محطات المعالجة والتنقية، ومن المجمع عليه، أنه سيتحقّق جراء هذا التعامل مردود اقتصادي وطني كبير، ثنائي الجانب، يتمثل الجانب الأول في ضمان درء الكثير من مخاطر التلوث، والجانب الثاني يتمثّل في الاستفادة من منتجات محطات معالجة القمامة (سماد– غاز…) وأيضاً الاستفادة من منتجات عديدة تنتج عن محطات تنقية مياه الصرف الصحي، وتحديداً المياه الناجمة، التي من المفترض أن تشكل بحيرات صالحة للري، وعلى الأغلب قد يكون من الجائز القول: إن مزيداً من حكمة الإدارة ودقة التقنية في محطات المعالجة والتصفية، يؤدي بها إلى أن تكون منشآت استثمارية إنتاجية رابحة.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية