اقتصاد

طرح الأونصة والليرة الذهبيتين إنجاز اقتصادي مهم ومؤشر إيجابي تحول ثقافة اقتناء الذهب في سورية إلى السبائك يزيد الطلب بمعدل 50%.. والمصاغ يتراجع بفعل الأزمة

يبقى المعدن النفيس، رغم غلائه والارتفاع المتواصل له، يستقطب اهتمام السوريين، في ظروف تحولت أنظار محبي “الذهب” إلى اقتناء الخام غير المصاغ كالليرات الذهبية والانكليزية والأونصات والسبائك الأخرى، واختفى بالمقابل بريق المعدن الأصفر من أعناق ومعاصم النساء في سورية لارتفاع أسعار المصاغ من أطواق وأساور مقارنة مع الأولى، ووصولها إلى مستويات جنونية مما خلق نوعاً من العزوف عن اقتنائها.
زيادة الطلب على السبائك كانت دافعاً كبيراً لجمعيات الصاغة لصك آلاف الليرات الذهبية السورية في العام الحالي نتيجة الطلب المتزايد عليها، ومنذ يومين ما يقارب 100 أونصة سورية طرحت لأول مرة في أسواق حلب، مايؤكد تحول ثقافة المواطن السوري من التزين بالذهب إلى اقتنائه، كملاذ آمن بعيداً عما يجلبه اكتناز العملات المحلية والأجنبية على حد سواء من قلق لمستحوذيها جراء تقلباتها المستمرة.

نشاط الحرفة
وتشهد أسواق بيع الذهب حالياً في سورية نشاطاً جيداً، وكثير من الصياغ عاد وفتح محله لتلبية طلبات الشراء، رغم ارتفاع أسعار الذهب محلياً، وزاد الطلب بمعدل 50% -حسب جمعية الصاغة والمجوهرات في دمشق– وتداول ما يقارب 10 كيلو من الذهب يومياً في العاصمة وحدها، وانعكس إيجاباً على الحرفيين والتجار العاملين في مهنة صياغة الذهب الذين شرعوا في تجديد مكاتبهم ومشاغلهم.
النشاط في عمليات البيع يشير إليه في كل تصريح رئيس جمعية الصاغة في دمشق غسان جزماتي، بينما اعتبر رئيس الجمعية الحرفية في حلب عبدو موصللي طرح الأونصة الذهبية السورية أمس الأول إنجازاً اقتصادياً مهماً لدعم الاقتصاد الوطني، ويؤكد على إصرار الحرفيين على مواصلة العمل والإبداع والإنتاج رغم كل الصعوبات والتحديات والخسائر التي لحقت بهم جراء الإرهاب.
المستفيد الرئيسي
ومن جهة ثانية، يعدّ الاقتصاد الوطني المستفيد الرئيسي والحقيقي من ارتفاع أسعار الذهب من ناحية احتياطاته الذهبية الموجودة في البنك المركزي والتي ارتفعت قيمتها بشكل كبير بالتناسب مع ارتفاع الأسعار، إلا أن آثاراً سلبية مازالت تتكبّدها خزينة الدولة لحرمانها من مورد ضريبي مهم ممثلة بالضريبة المفروضة على شراء الذهب، ومن وجهة نظر مغايرة تماماً يرى جزماتي أن رفع قيمة رسم الإنفاق الاستهلاكي على الذهب سيؤثر سلباً على مبيعات الذهب، مشيراً إلى أنه تم عرض وجهة نظر الجمعية بأن يكون الرسم 3% بحيث لا يتعرض الزبون لخسارة في حال البيع والشراء.
كميات المعدن المتداولة التي عجز حتى الحرفيون ومصالح الضرائب عن حصرها في رقم، وكلما سئلوا كانوا يكتفون بالقول: إنها تقاس بعشرات الكيلو غرامات يومياً، وبعدد الباعة والحرفيين الذين مكّنوا سورية من أن تكون الأولى عربياً في “الصنعة”، وشجعوا على ظهور صنّاع “جدد” لهم منطقهم مع إحداث “سوق موازية” لا تعترف بالرقابة ولا بالحدود الجغرافية، إضافة إلى أن مهارتهم التصنيعية، ساهمت في جعل سورية مصدرة ضخمة للدول العربية وبعض الدول الأجنبية على مدى عدة سنوات قبل الأزمة.

فروق الأسعار
كلمة حق تقال: إن الحرفي السوري أبدع في صياغته أكثر المعادن فخامة ورقياً “الذهب” خاصة حين صاغ أجمل التصميمات على المجوهرات كالأساور والعقود والخواتم، وحين رصّع بأجمل الأحجار الكريمة والنفيسة كالألماس والياقوت، والزمرد.
وما أثر على نشاط سوق الذهب في سورية سلباً الفروق في أسعار الذهب المصنّع المحلي والمستورد الذي يتيح إمكانية إنتاج أنواع كثيرة ومتميزة، إضافة إلى ظهور مصانع جديدة وذات جودة عالية في دول مصنعة مثل إيطاليا وسويسرا، رغم أن التقليد وغلاء السعر يكاد يقضي عليها، باعتبار أن المنتج المستورد “المقلد والحقيقي” من إيطاليا يكون سعره أقل مقارنة بالمصنوع محلياً، خاصة وأن استيراد الذهب ليس ممنوعاً، ما أدى خلال العقدين الماضيين إلى إفراز سوق آخر “موازية” لسوق الذهب النظامي، تعمل بطريقة غير قانونية، ولا توجد سوق بالمعنى الحقيقي.

ظواهر دخيلة
تزايد الطلب على الذهب في العالم ومنها سورية بسبب الفوضى والأزمات التي تجتاح الشرق الأوسط عامة، دفع خبراء المعادن الثمينة للتحذير من تفشي ظاهرة التقليد والتزوير على نطاق واسع في الأختام والدمغ الذي يصعب التمييز بينه وبين الذهب الأصلي، كما ساهم توسع رقعة التعامل بالذهب في انتشار مظاهر الغش والتدليس والتزوير، مع بروز شبكات تمتد من فرنسا، وإيطاليا، إلى تركيا، ودبي، ناشطة مع شبكات عربية في تهريب الذهب المصنع والمقلد المشابه للحقيقي.
ورغم كل ذلك لم تتأثر كثيراً سوق الذهب السورية بالتطورات العالمية بل بقيت رائجة وواسعة، وخصوصاً في العاصمة دمشق وحلب، إذ أضحى سوق الحريقة معيارياً ووجهة معلومة للجميع، بنفس قدر سوق حلب، ويتواصل الرواج مع الارتفاع المعتبر لسعر الذهب في السوق الدولية، وبلغ سعر غرام الذهب أمس 6600 ليرة سورية عيار 21، و5657 ليرة عيار 18، ووصل سعر الليرة السورية الذهبية إلى 54300 ليرة، بينما بلغ سعر الليرة الإنكليزية 56300 ليرة عيار 22 و54300 ليرة عيار 21 ووصل سعر الليرة الرشادية إلى 48520 ليرة وسعر نصف الأونصة السورية إلى 119350 ليرة.

دمشق– سامر حلاس