اقتصادتتمات الاولى

المؤشرات الاقتصادية تشير إلى التعافي عبر رفع حجم الإنفاق الجاري والاستثماري زيادة 164 مليار ليرة في الموازنة العامة تدحض تنبؤات مراكز إقليمية وتكشف نواياها المبيتة

رغم استمرار الحرب وتصاعد حدة العقوبات الاقتصادية، بقي الاقتصاد صامداً ومتوازناً وبدأ بالتعافي والتحضير فعلياً لمرحلة إعادة الإعمار، والزيادة المقدرة بنحو 164 مليار ليرة سورية في موازنة عام 2015، مقارنة مع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية الجارية (ارتفع إجمالي الموازنة من 1390 مليار ليرة إلى 1554 مليار ليرة)، هي مؤشر يدل على بدء استعادة التعافي في الاقتصاد الوطني، وبدء دوران عجلة الإنتاج في العديد من الأنشطة الاقتصادية والتجارية والصناعية.
وكانت جميع المؤشرات الاقتصادية تتوقع هذا التعافي بناءً على البيانات والإجراءات المالية المعتمدة في توجه الإنفاق سواء كان الجاري أو الاستثماري، وعزم الحكومة في نهجها بالاستمرار في تعزيز صمود ومنعة الاقتصاد بكل مكوناته، بدا ذلك واضحاً من خلال مشروع الموازنة للعام المقبل القاضي برصد مبلغ وقدره 1144 مليار ليرة للإنفاق الجاري، أي بزيادة 134 ملياراً عن العام الحالي، و410 مليارات للإنفاق الاستثماري أي بزيادة 30 ملياراً عن عام 2014.
مقارنة
بيانات تكذب وتكشف حقيقة أخبار تبثها بشكل شبه يومي وسائل إعلام معادية لسورية تشنّ عليها حرباً إعلامية على أمل تحقيق نصر ولو كان وهمياً، عبر إحداث انهيار اقتصادي، على أنه أضعف ما يمكن أن ينجزوه “كلامياً”، بعد أن عجزوا عن تلبية طموحهم الأكبر على أرض الواقع، وهو إسقاط الدولة والمجتمع؛ واعتبرت التقارير المتتالية “الدورية” الصادرة عن وحدة “إيكونوميك إنتلجنس” التابعة لمجموعة الإيكونومست البريطانية من أخطرها على الإطلاق، التي تتوقع دائماً ما يحلم به ويريده الساعون للنيل من سورية، وكان آخرها توقع أن ينكمش الناتج المحلى الإجمالي الحقيقي في سورية بنسبة 13.2% خلال العام 2013، ما يجعل حجم الاقتصاد أصغر بنسبة 32% عما كان عليه في عام 2010، أي قبل اندلاع الاضطرابات في البلاد.
وترى وحدة “إيكونوميك إنتلجنس” في تقريرها الصادر نهاية العام الماضي أن نمو الاقتصاد السوري سيتباطأ بين 2014-2015، بينما بيانات الحكومة الراهنة تشير إلى زيادة في النمو، ذاكراً التقرير وجود عوامل تجعل وتيرة النمو تتباطأ في عام 2016، دون توضيحها أو حتى الإشارة إلى بعضها؛ كما تنبّأت الوحدة أن يظل الاقتصاد بحلول عام 2017 أقل بكثير من حيث القيمة الحقيقية مما كان عليه في عام 2011، بينما قيمة إجمالي الموازنة العامة وحسب البيانات الرسمية “الواقعية” تشير إلى زيادات تتراوح بين 130 مليار ليرة و164 مليار ليرة في كل عام رغم الأزمة، أي بعكس ما تروّج له مراكز الدراسات الاقتصادية المغرضة؟!.

بالأرقام
وبالنسبة إلى سعر الصرف توقعت “إيكونوميك إنتلجنس” تراجعاً سريعاً في سعر العملة الوطنية “الليرة” في حين سجل ارتفاعاً من 250 ليرة خلال إعداد التقرير العام الماضي إلى 185 ليرة حتى تاريخ أمس، ما خفض من ضغوط التضخم، بعكس جميع التكهنات، وساهمت زيادة حجم الصادرات منذ مطلع العام الجاري وتراجع الواردات في تحقيق إيرادات والخفض من العجز مقارنة بعامي 2012 و2013.
وهذا أيضاً خلاف ما جاء في تقرير أصدرته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في بيت الأمم المتحدة في بيروت الشهر الفائت، تحت عنوان “تداعيات النزاع في سورية على الاقتصاد السوري والعقبات لتحقيق أهداف الألفية الإنمائية”، التي ألمحت فيه إلى تراجع نسبة الصادرات 95%، والواردات إلى 93%، في وقت تشير هيئة تنمية وترويج الصادرات السورية إلى زيادة في الصادرات العام الجاري بمعدل 20% عن العام السابق.
التناقض في البيانات الصادرة عن (الإسكوا) ظهر جلياً على لسان الدكتور هادي بشير، رئيس قسم النمذجة والتنبؤ الاقتصادي في الإسكوا عندما لم يستطع إخفاء حقيقة جداً مهمة في الاقتصاد السوري، لا بل ويعدّ عماد الاقتصاد الوطني، بكشفه أن قطاع الزراعة لم يبد أي تراجع يذكر، لأن الزراعة استمرت رغم الأزمة، وأن عدداً من المزارعين السوريين مارسوا عملهم في أرياف أخرى نزحوا إليها، وأكبر دليل على أن الزراعة لم تتأثر هي أنه لم تسجل حالات مجاعة تذكر في البلاد حتى الساعة؟!.

مكونات
كما أن إطلاق مشاريع حقيقية فعلية خلال العام الحالي وتوجه الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2015 نحو إطلاق المزيد منها، وخاصة في مجال الإنتاج الزراعي والصناعي، سيؤدي دون أدنى شك إلى تعزيز صمود ومنعة الاقتصاد بكل مكوناته؛ وسيلاحظ، وإن كان بدرجة بطيئة نسبياً، تحسن ملموس في المستوى المعيشي للمواطن الذي يعدّ هدف التنمية ومنطلقها، حسب تصريحات الحكومة.
سورية كانت على وشك تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية بحلول العام ألفين وخمسة عشر، والتي وضعت في العام ألفين، لكنـها الآن وبعد أكثر من ثلاث سنوات من الأعمال التخريبية والتدميرية للبنية الاقتصادية والمنشآت الصناعية والسياحية، من الطبيعي أن نشهد تراجعاً في نمو قطاعات وفعاليات متضررة.
إمكانيات
كانت سورية قبل الأزمة في المرتبة الخامسة من حيث الدول الأكثر نمواً في العالم العربي –حسب (الإسكوا)- بعد عمان ومصر وتونس والمملكة العربية السعودية، وتتقدم الجزائر والمغرب والأردن وفلسطين واليمن والعراق وجيبوتي والسودان.
ورغم ذلك، فالأرقام والمؤشرات الحالية تظهر أن سورية تمتلك الإمكانيات ولديها القدرة على النهوض وإعادة البناء، والجهود التي بذلت وتبذل الآن كفيلة بتحقيق موازنة عامة سنوية أفضل من السنة المالية الأسبق، ما يعجل من تطبيق الخطط الإسعافية لإعادة الإعمار لعدد من الوزارات العاملة على إعادة تأهيل البنى التحتية، وإعادة إعمار المنشآت والمرافق العامة التي تعرضت للتخريب والضرر.
دمشق– سامر حلاس