اقتصاد

المزيد من المنشآت الإنتاجية الصغيرة.. بين الخيار والقرار

تماشياً مع النهج الاقتصادي المنشود والمعتمد منذ سنوات، يشهد قطرنا جهوداً حثيثة لتنشيط عمل المنشآت الصغيرة القائمة وتشغيل المعطَّل منها وإحداث المزيد من الجديد، ولكن الواقع على الأرض أدنى من المتوجب والطموح، وما زالت الشكاوى تتفاقم، فبعض ما هو قائم يشكو من معاناة في تأمين المستلزمات وتسويق المنتجات، وبعض ما هو معطل يشكو من معوقات النهوض، وبعض ما هو مرغوب إحداثه يشكو من صعوبات التأسيس والإقلاع، والجميع يحمِّلون السلطات المعنية –على تعدّدها وتنوّع مهامها- مسؤولية كل ذلك، باعتبارها هي المعنيّ الأول بالتخفيف من المعاناة والمعوقات والصعوبات، لأنها هي الناظم الأعلى المسؤول رسمياً والمعوَّل على دوره، لدى كل المهتمين بتنشيط المنشآت الصغيرة، أكان من المواطنين الباحثين عن عمل، أم المسؤولين المهتمين بتخفيف البطالة وزيادة الإنتاج.
من يتمعّن ويتبصّر ملياً يتبين له بشكل جلي أن كلا الطرفين (المسؤولين والباحثين عن عمل) يتحمَّلان مسؤولية أية مثبِّطات لتنمية المنشآت الإنتاجية الصغيرة، فالمسؤولون مطالبون بتخفيف الكثير من القيود وتبسيط الكثير من الإجراءات، وخاصة فيما يخص متطلبات التأسيس والتشغيل، وتخفيف معاناة تأمين المستلزمات وتسويق المنتجات بما يضمن حدّاً أدنى من الريعية، وأصحاب المنشآت مطالبون بقبول التقيد بالحد الأدنى من الأنظمة والتشريعات الضرورية الناظمة، والتعاون فيما بينهم عبر جمعيات نوعية، تنسق فيما بينها تنظيماً وإنتاجاً وتسويقاً.
إن التنظير المتزايد في تشجيع المنشآت الإنتاجية الصغيرة يتطلب أن يقابله المزيد من حسن التدبير، الذي يتجلى بعضه بما يلي:
1– على السلطات المعنية في إقامة المنشآت الإنتاجية، وخاصة وحدات الإدارة المحلية، اجتناب الكثير من القيود التي تضعها أمام أصحاب المنشآت الإنتاجية الصغيرة، ومقارنة ذلك بالقيود المفقودة أمام المنشآت التجارية، التي يسمح لكثير منها التواجد بحرية تامة على الأرصفة، وفي وسط الشارع وفي الساحات العامة وبالسيارات الجوالة، وبلا أية قيود أو نواظم، والحال نفسها بالنسبة لكثير من أصحاب المهن الخدمية، التي تمارس عملها دون أي ترخيص ودون أية رسوم أو تبعات، أليست المنشآت الإنتاجية هي الأولى بالتسهيلات والأحق بكل تشجيع.
2– اعتماد السلطات المعنية شعار “دعه يُحدِثْ منشأته بالشكل الذي يراه ممكناً، وبالحد الأدنى من القيود، وادعم إمكاناته بالشكل الذي يحقق تشغيل عاطلين عن العمل، وإنتاج منتجات يحتاج إليها السوق”، أي ضرورة قبول أية حالة منشأة –قديمة أو محدثة- بغض النظر عن مساحة العقار، أو نوعية البناء أو المعدات أو التجهيزات، ما لم تكن متعدية على البيئة، ولا على الأملاك العامة، ولا على أملاك وحقوق الغير، وشريطة أن تكون مدخلاتها ومخرجاتها مطابقة للمواصفات السورية، ودون أي تعقيدات في الترخيص، على أن تقوم السلطات المعنية بترخيص المنشأة لصاحبها في مكان إقامتها دون تحميله تبعات ونفقات السفر والانتظار  وبأقل الرسوم وأبسط الإجراءات، على أن تقتطع الرسوم المستحقة لاحقاً –وتقسيطاً- عقب الإنتاج.
3 – من المتوجب أن يتم منح المنشآت الإنتاجية قروضاً بفائدة رمزية جداً، وعلى أن تكون المنشأة كافلة لنفسها، بحيث تكون مرهونة للجهة المقرضة لغاية تسديد القرض، والتزام الجهة المقرضة بمتابعة عمل المنشأة لضمان تسديد القرض، ما يضمن تحقق استخدام القرض للغاية التي تم لأجلها.
4– المزيد من تمكين الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات من أداء الدور المنوط بها على أكمل وجه، أكان وفقاً لما هو منصوص عليه في مهامها، أو لما يجتهد به الأمناء الأكفاء من العاملين فيها، باتجاه تمكين الراغبين في إقامة منشآت من تأمين أكثر من متطلب، بحيث لا يقتصر دورها على تأمين وتدريب العاملين، بل تمكينها من المساعدة في التمويل، عبر تعاون الهيئة –كوسيط- مع الجهات المقرضة، وتمكينها من توفير الأرض عبر تعاونها –كوسيط- مع وحدات الإدارة المحلية، ودوائر أملاك الدولة، وبعض جهات القطاع الخاص التي تملك عقارات صالحة لإقامة منشآت، ترغب استثمارها في إقامة منشآت وتضعها بين يدي الهيئة كوسيط موثوق به، لتبيعها أو تؤجرها أو تساهم بها لمصلحة إقامة منشآت إنتاجية، بحيث تلعب الهيئة دور الجامع والمنسق لتلاقي قوى الإنتاج الثلاثة (الأرض – العمل – رأس المال)، كل ذلك بموجب عقود وضمانات تضمن حق جميع الأطراف، بمقابل نقدي أو بنسبة من ملكية المنشأة ونسبة من الربح.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية