ثقافة

مسرحية “هوب هوب” إشارة قوية إلى انتصار سورية

“هوب هوب” مصطلح درج في الآونة الأخيرة ليأخذ مساحة في الموسيقا والرقص ويكون مسرحاً حياتياً ليعبّر الشباب عن مكنوناتهم، وفي العرض المسرحي “هوب هوب” إنتاج وزارة الثقافة –مديرية المسارح والموسيقا الذي عًرض على خشبة مسرح الحمراء، قدم  د.عجاج سليم مسرحاً يشبهنا بلغة واقعية ورمزية ودلالية بعيداً عن الانفعالات المفتعلة والمشاهد البكائية لاسيما أننا نعيش في الزمن الصعب، وناقش مسألة التغيير لمصلحة الذات ولو على حساب المبادئ والقيم التي نتمسك بها وتعبّر عن هويتنا بغية الانجرار وراء الإغراءات المادية، وقد نجح د.عجاج بتقديم صورة مصغرة عن المجتمع السوري بكل أطيافه وانتماءاته ومعتقداته، بدا هذا واضحاً في تعدد اللهجات السورية التي تشكّل نسيجاً اجتماعياً متكاملاً، ولم يكن في أبعاده بمنأى عما يحدث في الشارع السوري حينما تطرق بإسقاط واضح إلى بعض ملامح الأزمة مثل المشهد الذي ناقش الحواجز وكيف يستغلها بعضهم لتسويغ تأخرهم، لكن المشهد الأكثر إسقاطاً على الواقع والذي يحمل قراءات متعددة كان مشهد غرق المسافرين الحالمين بحياة أفضل في صراع الموج كما حدث فعلاً مع كثيرين أرادوا أن ينجوا من تبعات الأزمة فمضوا للسفر بطرق غير شرعية عبْر عباب البحر .وفي المشهد الأخير تتضح الصورة فتبدو إيماءة قوية إلى انتصار سورية حينما يبتعد فريق العمل عن المخرج ويرفضون الانصياع لتغييراته ويتمسكون بمبادئهم رافضين كل الإغراءات المادية.
تدور أحداث المسرحية التي كتب نصها جوان جان المأخوذ عن نصّ لميخائيل بولغاكوف بتصرف حول مجموعة ممثلين شباب يحلمون بإثبات ذاتهم وتحقيق حضورهم وعرض عملهم في أكثر من مكان، تأتي الفرصة الذهبية حينما يُعرض على المنتج عرضها في أمريكا، وهنا تبدأ الانقسامات والخلافات حول التغيير الذي سيطال النصّ الأساسي الذي يتمسك به الكاتب ويناقش الأساليب التي يتبعها الاستعمار لإثارة الفتنة ونهب ثروات الشعوب، وضرورة تغييره بما يتناسب مع عرضه في أمريكا بحيث لايخالف سياستها ويشرع المنتج باستمالة فريق العمل وإقناعهم بأن العمل سيحظى بحضور الجالية العربية هناك .وعلى خشبة المسرح نرى أن المخرج يعتمد على تقنية المسرح داخل مسرح فتنتقل المشاهد بين مسرحين مختلفين من حيث اللغة والزمن والمحيط العام، فنجد أنفسنا إزاء مسرح واقعي يتناول مايدور في كواليس المسرح من خلاف مابين الكاتب والمخرج والممثلين وما بين العرض الحقيقي وهو اقتحام الجزيرة القرمزية العصية على دخول الغرباء بكل ما يحمله من عوالم افتراضية من حيث الديكور والأزياء واللغة، مظهراً في نهاية العرض تلاحم سكانها ووقوفهم معاً في الدفاع عنها، وتمكّن المخرج من إشراك الجمهور بالعرض المسرحي الأساسي بظهور بعض الممثلين من صفوف الجمهور ومتابعتهم الحوارات مع الممثلين على الخشبة.
الأمر اللافت أن المخرج اشتغل على أداء الممثلين بالدرجة الأولى، بدا هذا واضحاً في الأداء التعبيري والحركي والإيمائي والخطّ الكوميدي الذي لازمهم، وأغنت المؤثرات الصوتية المشَاهد وكانت عاملاً مسانداً لها خاصة في مشهد الغرق بالبحر،وكذلك بعض المقاطع الموسيقية الإيقاعية الراقصة لموسيقا الهوب هوب التي وظّفها الموسيقي سيمون مريش ضمن العرض، لكن الإضاءة التي صممها بسام حميدي كانت الأقوى في تأثيرها على الجمهور بعكس ألوان مختلفة على خلفية المسرح المعدنية والموحية بالتعددية التي نعيشها، وفي المشاهد الأخيرة انفردت الإضاءة حول المخرج الذي ابتعد عنه الممثلون وبقي وحيداً، ليفاجئنا العرض بالمشهد الأخير بأن مسار رحلة العمل تبدل من أمريكا إلى روسيا .الأمر اللافت أيضاً أن د. عجاج سليم نجح في إعادة الفنان محمد خير الجراح إلى خشبة المسرح بعد أن اعتاد الجمهور على ظهوره في الأعمال الدرامية، فكان له الحضور الأكبر وظهر في “كاركتر” خاص لسمات شخصية كاتب النصّ المتزن والهادئ مستخدماً ظاهرة التأتأة دلالة إلى مشكلة نفسية يعيشها.
ملده شويكاني