محليات

بين قوسين أزمة معوقة ومواطنة كسيحة!

يتعرّض مفهوم “المواطنة” هذه الأيام لانتهاكات خطيرة تحت عباءة الأزمة وتداعياتها التي لا تعدّ ولا تحصى وخاصة مع تنامي الانتماء المبني على قصور فكري وإلحاد اجتماعي تغذّيه قناعات مكتنزة بالنكران التام للجهود التي تبذلها المؤسسات والجهات المعنية بخدمة المواطن وتوفير كل مستلزماته، وهناك من أمعن في تحييده للحقائق وإدارة ظهره للوقائع حيث أصبحت رؤيته للأمور والمواقف غير حقيقية وغير معبّرة عن الواقع الفعلي الذي يفرض نفسه على الجميع دون استثناء وخاصة في هذه الظروف الاستثنائية التي صنعت أو بالأحرى كشفت ذلك الوعي المشوّه والانتماء الزائف القابل للسقوط في أول امتحان وطني، وطبعاً نحن هنا لا نسعى لتبرئة أية جهة من التقصير بل نحاول أن نقدّم الوجه الآخر للحقيقة التي نتجاهلها دائماً من باب المواد المفقودة والفساد الذي لابد من الاعتراف بأننا كمواطنين بتنا جزءاً أساسياً في منظومته المعيشية.
وطبعاً ما نعيشه اليوم ليس إلا امتحاناً حقيقياً لمفهوم المواطنة الذي تثبت الشواهد اليومية حالة التخلي عن مبادئه وانحسار حضوره أمام مدّ الانتهازية الذي يتخذ من الأزمات مبرّراً لاستغلال حياة الناس وشرعنة كل ممارساته التي تتم في حضرة الانتماء الزائف الذي بات شئنا أم أبينا حاضراً في مجتمعنا، وبقليل من التبصّر والقراءة الموضوعية لأزمة الغاز والمحروقات وغيرها من الأزمات المتكررة التي ندرك تماماً بعض أسبابها، نستطيع أن نعي حقيقة تنامي نوع قاتل من الطفيليات المتغلغلة في كل تفاصيل حياتنا لتصنع خلايا سامة مسرطنة للحياة المعيشية تم تجنيدها بشكل مباشر أو غير مباشر في مشروع تدمير الدولة والإساءة لكل مؤسساتها التي ترجم دائماً بالتقصير والفساد في الوقت الذي حللت فيه للكثير من المواطنين جرم المتاجرة غير الشرعية بلقمة العيش ورفع الأسعار وإدخال الكثير من المواد في سوق سوداء وبورصة مقيتة، ولاشك في أن هؤلاء لا يختلفون كثيراً عن أولئك الذين يذبحون ويبقرون ويأكلون الأكباد لأنهم في كل لحظة يجزون معيشتنا ويحزون احتياجاتنا بمخالب الابتزاز والاستغلال والاحتكار والتهريب وسرقة أحلامنا وأمنياتنا بنبضاتها المتباطئة والمتكئة على أمل الخلاص والنصر القريب، والفرق الوحيد بينهم أن هؤلاء ما زالوا يختبئون إلى الآن وراء قناع المواطنة التي باتت كسيحة ومعوقة في يوميات الناس.
وبالمحصلة عندما نسكت أو نتغاضى عمّن يسرق رغيف الخبز وأسطوانات الغاز وليترات المازوت ليبيعها في السوق السوداء ولنشتريها بأسعار خيالية تحت مسمى (تجارة الأزمة)، وعندما ندين أبوة الدولة ونتّهمها بالفساد ونبرّئ ابتزازنا من هؤلاء تحت عنوان (الظروف المعيشية)، فنحن شركاء بهذه الجريمة ونشجّع على تكاثر من يرى مصلحة الوطن من فتحات جيوبه فقط، ولسنا سوى مواطنين مخطئين بحق أنفسنا وعاقين لمصلحة بلدنا، فالمواطنة ليست مجرّد هوية وليست حقوقاً مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، بل هي أيضاً واجبات ومسؤوليات علينا جميعاً أن نتعاون لتجسيدها قولاً وعملاً.
بشير فرزان