اقتصادتتمات الاولى

تجارة الأدوات الكهربائية “النشطة” تكشف عن فساد يوجب على المعنيين ملاحقته أسعار المولّدات الكهربائية باتت تتناسب طرداً مع عدد ساعات التقنين..ورائحة تواطؤ فضحها احتكار معلن

دمشق – سامر حلاس
تعيش عموم المحافظات السورية حالة من التقنين الكهربائي وهذا له مسوغات، لكن ثمة قضية تشغل الرأي العام منذ فتح باب استيراد المولّدات الكهربائية لبعض التجار منتصف عام 2012 حتى السماح لهم بجلب مغذيات أخرى للإنارة لقبت بـ”الليدات”، فما هو سر ارتباط ازدياد ساعات التقنين بعمليات استيراد مولدات الكهرباء إن افترضنا سوء النية؟!.
سؤال آخر يطرح نفسه، ما علاقة إشباع السوق بالمولّدات التي تراجع سعرها فجأة، بـ”الليدات” والبطاريات المغذية التي بدأت تحلّ محل الأولى شيئاً فشيئاً؟ ومن ناحية أخرى، ما الرابط بين جميع هذه المستجدات “التوليدية” بظاهرة الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي (المقنّن والعشوائي)، وكأن هناك رائحة تنسيق وتخطيط سرّيين، ومتابعة ميدانية حثيثة غير مرئية، لحاجات السوق، تتم بين جهات تنفيذية وخاصة، وتواطؤ لدفع المواطن إلى شراء المولدات الكهربائية في بداية الأزمة، وتوجيه الأنظار في الوقت الراهن إلى تسويق ما أمكن من “الليدات”!.
للإنصاف
ودون أدنى شك، بات برنامج التقنين واقعاً مفروضاً في جميع المحافظات بسبب الاعتداءات الإرهابية المتواصلة على خطوط ومنشآت الكهرباء وخطوط النفط التي تنقل الغاز والفيول إلى محطات التوليد والتي أدّت إلى انخفاض كمية الكهرباء الواصلة إلى محطات التحويل، لكن انقطاع التيار الكهربائي وتحديداً الانقطاع العشوائي، مع نشاط استيراد تجار لكميات من المولّدات والبطاريات و”الليدات” آثار حفيظة كثيرين؟! وشككوا برواية وزارة الكهرباء بأن نقص إمداد المحطات بالغاز والفيول سبب رئيسي وجوهري لعمليات التقنين المعمّمة على كل أنحاء البلاد، لتؤكد مصادر في سوق الأدوات الكهربائية بمنطقة المرجة في دمشق لـ”البعث”، وجود عمليات احتكار من بعض التجار لاستيراد المولدات الكهربائية من الخارج وخاصة من الصين، ما دفعنا ودفع الكثير من المواطنين إلى الشك بإمكانية وجود علاقة بين تجار بعينهم مع معنيين مسؤولين عن تنظيم عمليات التقنين الكهربائي..
مصدر مسؤول في وزارة الكهرباء نفى لـ”البعث” جملة وتفصيلاً هذه الادعاءات، واعتبر المصدر الذي (فضّل عدم ذكر اسمه) أن هدف من يروّج لمثل هذه الشائعات التشويش على الإنجازات العظيمة للوزارة والتقليل من جهد وتفاني عمالها الساعين ليل نهار إلى المحافظة على التيار الكهربائي، وأكد أن ما تذكره “الكهرباء” من أسباب أدّت لانقطاع التيار الكهربائي صحيحة، ودقيقة مائة بالمائة، ومنها: نقص الفيول والغاز بالدرجة الأولى؛ بينما أشارت وزارة النفط والثروة المعدنية -على لسان وزيرها المهندس سليمان العباس- إلى تزويد وزارة الكهرباء بنسبة 92% من الغاز النظيف المتاح للمستهلكين والبالغ 3.997 مليارات م3، حيث حصلت على 3.658 مليارات م3، في ثلاثة أرباع العام الجاري، وذلك من إجمالي إنتاج الغاز الطبيعي في سورية للفترة نفسها البالغ 4.368 مليارات م3، وبالتالي يفترض أن يكون التقنين أقل مستوى من تقنين العام الفائت، طبعاً دون إغفال دور الاعتداءات الإرهابية المتكررة على الشبكات ومحطات التوليد في انقطاع التيار الكهربائي، وفي إجبار وزارة الكهرباء على زيادة ساعات التقنين بشكل عشوائي.

واقع
بالمقابل، يعتقد آخرون أن قطع التيار الكهربائي بشكل عشوائي هدفه رفع الطلب على البطاريات باستطاعتها المختلفة وشواحنها وروافع الجهد إضافة إلى المولّدات الكهربائية في جميع المحافظات -من وجهة نظر صاحب محل لبيع المولدات الكهربائية- حيث أشار لـ”البعث” إلى إقبال كبير من المواطنين على شراء المولدات وخاصة ذات الاستطاعات القليلة لتشغيل تلفاز ومضخة ماء نصف حصان، وبعض لمبات التوفير لكونها تفي بالغرض وتتميز بمصروف قليل من مادة البنزين؛ نشاط كبير لم يسبق له مثيل في سورية حوّل بيع الأدوات الكهربائية إلى تجارة رائجة مربحة، ولم يخفِ أصحاب محال بيع المولّدات تخوّفهم من تحسّن واقع الكهرباء في الشهور القادمة لما قد يسبّبه هذا الإجراء من إغلاق محالهم التجارية ومصدر رزقهم.

احتكار
أصحاب المحلات أكدوا لـ”البعث” وجود ممارسات لاحتكار سوق المولّدات والبطاريات و”الليدات” وتحكّم بعض التجار في أسعار بيعها في ظل غياب الرقابة عن الأسواق، غير أن الدكتور أنور علي مدير عام هيئة المنافسة ومنع الاحتكار، بيّن عدم ملاحظة تقدّم أحد المواطنين أو التجار بشكوى تشير إلى حصول عملية احتكار للأدوات الكهربائية والمولدات، ورأى في تصريح لـ”البعث” أن انقطاع التيار الكهربائي ساعات طويلة خلال اليوم، كان وراء زيادة الطلب عليها واقتنائها حتى لو كانت أسعارها مرتفعة، وذلك لتلبية حاجات الإنارة والتبريد وتشغيل آليات مهمة للحياة والعمل، ووعد علي بمتابعة عمليات استيراد المولّدات لمعرفة مدى دقة تلك الأخبار.

السوق
وأشعل انقطاع الكهرباء الطويل سوق البطاريات والمولّدات مجدّداً، ولكن مع ارتفاع أسعار البنزين المستخدم كوقود للمولّدات المنزلية، إذ وصل سعر اللتر منه، الذي يكفي لتشغيل المولّدة حوالي ساعة، إلى 135 ليرة، ما يعني أن تكلفة عمل المولّدة عدة ساعات تصل إلى أكثر من ألف ليرة يومياً، إلى جانب الضجيج الكبير المرافق لعملها، كل هذه العوامل دفعت المواطنين إلى شراء البطاريات وأجهزة الإضاءة التي تعمل عليها، وعدد من المواطنين الذين يبحثون عن مستوى أفضل للإضاءة يتجهون إلى شراء البطاريات وجهاز “الإنفيرتر”، الذي يعمل على تحويل الطاقة الكهربائية من بطارية 12 فولط إلى 220 فولط متناوب، كما يقومون بشراء “ليدات” الإضاءة التي تباع بعدة أشكال وتتميز بقوة إضاءتها، ويصل سعر المتر منها إلى 500 ليرة، وأسعار هذه التجهيزات تتنوع تبعاً لحجم الكهرباء التي تولّدها، وتبدأ الأسعار من 4 آلاف ليرة، وذلك لقاء بطارية صغيرة صناعة فيتنامية (7 أمبير) وسعرها بحدود 2200 ليرة، بالإضافة إلى “الانفيرتر” الصيني نوع جيد 1800 ليرة، وهنالك أسعار أقل لـ”الإنفيرتر”، وهي تكفي لتشغيل إنارة متوسطة لمدة ست ساعات وتشغيل “الراوتر”.
وكانت لجنة إلغاء تحرير الأسعار المشكّلة في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، اتفقت خلال شباط الماضي على تحديد نسب الأرباح للأجهزة الكهربائية والألبسة، غير أن تفاوت أسعار الأدوات الكهربائية من النوع والجودة ذاتهما من محل إلى آخر يؤكد عدم تقيد التجار بالأسعار وهوامش الأرباح، وهذا شيء طبيعي في ظل الغياب شبه التام للرقابة.

خسائر
لا يخفى على أحد أن انقطاع التيار الكهربائي ساعات طويلة، سواء كان مقصوداً -لأهداف وغايات شخصية مادية- أم غير مقصودة، يؤدّي إلى خسائر هائلة للاقتصاد الوطني، من ناحية المجالين الصناعي والتجاري، ومن ناحية الاستهلاك المنزلي، حيث تعرض المستهلك لخسائر فادحة بمؤونة الشتاء التي تعرّضت للتلف لغياب التبريد عنها، ولا ننسى أيضاً أن المواطن يتعرّض للغش والتدليس حيث يشتري سلعة مرتفعة الثمن، كالمولدات الكهربائية، ويصدم بعد عدة أشهر بتراجع سعرها إلى النصف بعد أن يكون السوق قد أشبع، ليفاجأ صباح اليوم التالي باختراع جديد أطلق عليه اسم “الليدات” بملحقاتها.. وفي حال استمرار عمليات التقنين الطويلة، لن يكون باستطاعة “جهبذ” بالكهرباء مستقبلاً، تخمين ما يخبّئه لنا التجار من إبداعات قد يستوردونها إلى أسواقنا، دون “إحم أو دستور”؟!.