ثقافة

“مورسولت تحقيق مضاد” رواية جزائرية تتكلم في الزمن الحاضر

عندما كنت طالبة في السنة الثانية في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية كان أحد المقررات هي دراسة وتحليل لرواية “الغريب” للكاتب الفرنسي الجنسية جزائري المولد ألبير كامو، وحينها كان تسليط الضوء على شخصية البطل “مورسولت” فقد استطاع كامو من خلال روايته أن يجسد فكرة الوجودية حيث يتخلص البطل بوعيه الحسي ومأساة مشاعره المتأصلة عميقاً في ماضيه وفجوات عمره المليئة بالحزن والأسى من القوة والاندفاع الشعوري ومن اللاعادي في مستوى العاطفة وفي تذوقه للأشياء حيث لم يعد قادراً على الوصول بذاته إلى مرحلة القوة في الاختيار والتفرد في الشعور، فكل الأشياء سواء.
“الغريب” هي واحدة من أعظم روايات القرن العشرين، والأولى لألبير كامو الحائزة على جائزة نوبل للآداب عام 1957، والأكثر انتشاراً في الأدب الفرنسي بعد الحرب العالمية الثانية، تروي “الغريب” قصة الكاتب التي تبدأ بغربته عن بلده، والتي هي في الحقيقة غربته عن نفسه وعن العالم وعن الكون وخالقه، حيث يبقى البطل وحيداً دون أي صديق سوى الإعدام الذي حكم عليه ضمن مجريات الأحداث في الرواية المتوجهة نحو بؤرة العمل (القتل) عندما يتورط صديقه (ريمون) في مشاجرة بسبب امرأة ويتبعه شقيق تلك الفتاة (العربي) متوعداً إياه، وفي لحظة من الغياب واللاحضور يقرر “مورسولت” بطل رواية “الغريب” التخلص منه بإطلاق رصاص الموت على ذلك الرجل بطريقة غريبة.    في الحقيقة، “العربي” هو الضحية المجهولة التي قتلها “مورسولت” في رواية الغريب لألبير كامو، وهي فرصة وجدها الكاتب الجزائري كمال داوود لانطلاقة روايته الأولى “مورسولت تحقيق مضاد” بعد مرور 72 عاماً، ليقدمها من زاوية جديدة وهي شقيق العربي المقتول “هارون”، بعد أن بدأ كل شيء يوم أحد مشؤوم من صيف 1942، تحت شمس رصاصية، أطلق أحد الفرنسيين خمسة أعيرة نارية أودت بحياة جزائري على الشاطئ بالقرب من العاصمة. عجن كامو من خلفية هذا الحادث شخصية «مورسولت» القاتل العبثي الشهير الذي تُرجم اسمه إلى 60 لغة، في حين طال التجاهل والغبن القتيل منذ الاستقلال ولم يتساءل أحد إن كان له لقب أو عنوان أو عائلة تحزن بعده، متأثراً بالعربي الذي لم يُحسب على البشر، هذه النقطة أثارت تساؤل الكاتب الجزائري كمال داود عن عدم اهتمام أي شخص في الكتابة عن الموضوع، والعجيب في الأمر أن هناك كتابات كثيرة عن أعمال ألبير كامو وتراثه الأدبي وفكره الفلسفي، والعام الماضي شهدت فرنسا احتفالات بمئويته، لكن لم ينتصر أي كتاب أو محاضرة لـ”العربي” المقتول، ولم يذكر ولو بكلمة أثناء الاحتفالات، وهو الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات.
يستحضر داود من خلال عمله شخصية هارون شقيق “العربي” ليحكي جريمة جديدة ولكن من وجهة نظر جزائرية، حيث يعيد له هويته العربية وحكايته عبر أخيه، دون أن تكون الرواية بمثابة رد على “الغريب” وإنما لتكون رواية جزائرية “تتكلم في الزمن الحاضر”.
استمد كاتب الرأي والصحفي في “يومية وهران” داود فكرته لروايته الأولى، المكتوبة باللغة الفرنسية، معتمداً على إعطاء العربي وجوده الفعلي والحقيقي، التي تحمل عنوان “مورسولت تحقيق مضاد” حيث يقوم “هارون” هذه المرة بقتل فرنسي في ليلة الخامس من تموز، أي عيد استقلال الجزائر، ويحكم عليه بالسجن، وحينما يتهمه الضابط الجزائري بقتل إنسان يجيبه “هارون” قائلاً بأنه قتله في “الخامس من تموز”، وهو يوم الاستقلال في الجزائر، فيجيبه الضابط قائلاً: لا هذه تعتبر جريمة قتل، لكن في “الرابع من تموز” لا تعتبر كذلك لأنها حرب، حيث أراد الكاتب تصوير سوريالية الوضع لأن الانتقام لا يحقق العدالة.
“هارون” شخصية تتحدى الجميع من أجل الحفاظ على الشيء الوحيد الذي يملكه، وهو حريته، يتحدى أمه، يتحدى حزب التحرير، ويتحدى فرنسا، ويتحدى ألبير كامو، ويتحدى “مرسولت”، ويتحدى أيضاً أخوه الميت في سبيل الحفاظ على حريته، وكأنه يقوم بإيصال رسالة للعالم بأكمله أنه كم يجب أن نبقى من سنوات ونحن ندير الظهر لبعضنا البعض سواء مع فرنسا أو مع التاريخ.
الرواية مكتوبة بنفس جزائري، يتحدث داود، صاحب مجموعة قصص قصيرة صدرت في فرنسا عام 2010، من خلالها ليؤكد أن العالم ليس فرنسا، وعندما يقتل “هارون” فإن ذلك لن يغير شيئاً، بهذه الكلمات أراد أن يقول أن حقبة الحرب والقتل انتهت، ويجب أن تكون هناك حقبة في الضمير وفي الوعي من خلالها يمكن الخروج من الماضي، الذي يجب تقبله والنظر إليه وتحمل مسؤوليته دون البقاء أسرى له. في الواقع، تحمل الرواية الجديدة في طياتها تحليلاً للواقع وتعتبر امتداداً لفكر ألبير كامو لكن ضمن قراءة مغايرة ومعاكسة تماماً.
يُعرف كمال داوود بأسلوبه الناقد اللاذع وبحرية فكره، وتلاقي مقالاته المكتوبة بالفرنسية التي تنشرها صحيفة “يومية وهران” رواجاً واسعاً في الجزائر. ولقد وجدت روايته صدى واسعاً في الصحافة منذ صدورها، وتعتبر ثالث إصداراته بعد مجموعتين قصصيتين، وقد رشحت لأهم جائزتين أدبيتين في فرنسا وهي جائزة القارات الخمس للمنظمة العالمية الفرانكفونية وجائزة فرانسوا مورياك التي تمنحها الأكاديمية الفرنسية، ولكن خلافاً للتوقعات السابقة، فقد تمكنت سالفار من حصد الجائزة الأدبية عن كتابها الذي نشرته دار “دي سوي” مفوتة بذلك الفرصة على الكاتب الجزائري كمال داوود.
جمان بركات

النقابات العمالية تواصل مؤتمراتها الانتخابية