ثقافة

عـودة الـجدلية بين الــنـص والإبـــــداع

لاتزال كواليس الصالونات الأدبية تعاني عبثية النصوص المحترقة، والطاولات التي تُقلب على أصحابها، فمن يشعل النار بين الناقد والمنقود؟!.
نصوص مختلفة، واجتماعات متكررة تحصل أسبوعياً في أحد المراكز الثقافية الرسمية التي تستقطب عدداً من الأدباء، والنقاد، والإعلاميين، والمهتمين، بالرغم من كونها الحاضن الأول لدور الناشئين ذوي الحضور الأدبي المتكرر لملتقى الأربعاء في مركز الأمانة العامة لاتحاد الكتّاب، والصحفيين الفلسطينيين الذي عرفت طاولته الكبيرة، وكراسيه نشأة أبرز الأسماء، ومنها: غسان وعدنان كنفاني، يوسف جاد الحق، وماجد أبو شرار، ناهيك عن محمود درويش، والكثير من النقاد مستمري الحضور مثل: بسام رجا، وأحمد هلال، وأيمن الحسن، وعماد الفياض، ومحمد معتوق الذين جمعتهم فكرة تنوير الجيل، حديث العهد بالكتابة، والنهوض بالأدب لخوض التجارب الأدبية، والتربع في مكان عال من عرش القصة، والشعر، وحتى الرواية، فكيف يمكن لزائر ضيف يستضيفه المكان أن يقلب طاولة النقاش، ويثير جدلاً مقصوداً، ربما، لإبراز نصه بالدفاع عنه دفاعاً مستميتاً، علماً أن عمر الضيف الشعري “عامان”، فهل يمكن أن تكون التجربة فوق النقد، أم أن حرف الدال الذي يوضع قبل الاسم له ميزات خاصة فوق النقد الأدبي الذي وجد أساساً ليقوّم الاعوجاج، وهنا يكمن السؤال الفعلي: إلى متى تتشابه علاقة الناقد بالمبدع بعلاقة الكنة والحماة؟!.
من المعروف أدبياً أن النص الناجح هو الذي يثير جدلاً كبيراً، لكن أن يصل الجدل حد التجريح الشخصي، ونقد النقد، فذلك أمر خارج عن الطبيعي، والمتفق عليه، كأن يأتي د.(س)، ويقدم باقة من نصوص حديثة العهد، ويرفض أن تناقش، أو تمس، منتظراً التصفيق، والتهليل، كما اعتاد من مجموعة تحيط به، فعلى من يقع الذنب؟! أهو الهبوط العام في ذائقة المتلقي، أم أن الصورة التي عرفناها عن الناقد ستظل ملتصقة به كـ (جلاد) مهما كان منطقياً وواقعياً؟! فقد قدم الدكتور (س) مجموعة نصوص تنوعت بين الوجدانية، والوطنية، والصوفية، إن صحت التسمية، وسط حضور ملفت من أبرز الأدباء، شعراء، وقصاصين، وروائيين، ويبدو أن الشاعر قد أتى بعد اغترابه قادماً من برجه العاجي، منتظراً أكفاً تلتهب بالتصفيق، حتى إن فخامة حضوره قد أزعجه التقاط الصور له، وللمشاركين، وكأنه اقتطاع من الوقت الثمين الذي منّ به على الحاضرين، لتنقلب الابتسامة الخفيفة إلى سجال غير محمود بين (الدكتور الشاعر)، والنقاد، وأسماء بارزة ممن ترفع لهم القبعات لأدبهم، ومجالات كتبهم الواسعة، ما اضطر أحدهم، وكان من الحاضرين، للتوصيف حين سأله الشاعر: من أنت في عالم الأدب؟! ومن المعروف أن له برامج إعلامية، ثقافية، وكتباً تزيد عن طول الإنسان لو وقف، فمن يتواصل مع مجال الأدب، لابد أن يعرف الأديب، صاحب الدراسات والروايات التي باتت تاريخ أمة وحضارات، ولكن هل يحق للشاعر، صاحب النصوص، كائناً من كان، أن يستخدم كلمات خارجة عن الموضوع، كسؤاله من أنت بين المختصين لتحاسب النص؟! أو أن يهاجم الناقد، أو المناقش بأمور، وتلميحات شخصية تخلو من الصحة، أو الثقافة، متهجماً على الحاضرين بكلمات (كاضمحلال الفكر، والثقافة، والتفكير، والتغرير بالآخرين)، أو المكانة الفعلية في الوسط، متعالياً عن مكان دعاه كرمى لمجهوده المبذول على الورق، والذي يفوق النقد، بل يضع لنفسه نقداً إيجابياً يجهله الحضور، والمشاركون بالرغم من أن الناقد قد أوضح نقاط الضعف في النص، وألمح إلى الترهلات، والتكرارات التي بدت مضافة، وكأنما هي مقحمة دون جدوى؟!.
ومن وراء الكواليس يعود د. (س) ليفتح النار على المشاركين، والحضور، والنقاد عبر صفحته الاجتماعية، حاشداً (المطبلين والمزمرين)، قاصاً عليهم ما جرى، وكأننا في استعراض عضلات، لتشتعل النار مجدداً في قوله حرفياً في أمسية خاصة في اتحاد الكتّاب العرب الفلسطينيين في دمشق، فجرى سجال نقدي للنصوص التي قدمت من قبل المشاركين، وكنت واحداً منهم، لفتت انتباهي صور، ولوحات نقدية مفجعة من خلال أشخاص اتضح أنهم غير متخصصين بالنقد، ولكن الغريب أن يصل الأمر بالقدح، والشخصنة، والحقد تجاه الشعر العمودي، ما جعلني أكتب هذه السطور، فإن تقلّد الجاهل مكاناً ليس أهله أفسده، النقد أمانة، وشرف، وميثاق، وعهد مع الله أولاً، ثم مع الأدب، والشعر، فإن امتلك الناقد الأخلاق الكريمة، وعناصر، وأدوات النقد الحقيقية، ومعرفة تامة بأدوات الشعر، كان برداً وسلامة على الثقافة، وإلا أصبح جمراً يحرق الأكباد قبل الحروف، مدمراً لا يبني، تجدب الأرض الثقافية، ولا تمطر إلا رجوماً، وحقداً، وكراهية، وشللية مقيتة.. إنها مفسدة للأخلاق، والقيم، والمبادىء، النقد سلاح ذو حدين نتمنى ألا نستل سيوفنا من أجل قطع الرؤوس، فالناقد الحاقد، والمشخصن لا يقل وباء، وخطراً عن داعش.
ومن أبيات الشاعر: (للشَّامِ مُنْتَصِفٌ ولَيْسَ بمُنْصِف.. لَاْ، لَاْ تَوَسُّطَ إِنَّ عِشْقِي جِلِّقَاً.. لَمْ يُبْقِ وَجْدَاً لِلْحَبِيبِ الأَهْيَفِ.. وطَنِي وشَامِي والحَبِيبَةُ أَنْجُمِي..  وأَنَا الأَبِيُّ اليَعْرُبِيُّ أَنَا الوَفِي).
فأيهما أصح، أن يغيب النص الإبداعي في حضور النقد، أم غياب النقد في حضور النص الإبداعي؟! ألم نرتق كفاية بعد لنتقبل الرأي الآخر جانب رأينا، أم أن استعراض الكلمات، والثقافة كفيل بنسف خبرة النقد، أو الأديب على حد سواء؟! من يحاكم الأدب اليوم؟ ومن يحكمه؟.. نصوص فوق النقد، أم نقد تحت النصوص؟!.
ديمه داوودي