ثقافة

على هامش عروض مسرحيته “المغامرون في الأمازون”: المخرج عبد السلام بدوي المشهدية عنصر أساسيّ في عروض مسرح العرائس

انطلاقاً من إيمانه بضرورة ألا يتوقف هذا المسرح، وبحقّ الطفل في ألا يُحرَم منه، ولاسيما في ظل الظروف الصعبة التي تعاني منها سورية، يصر عبد السلام بدوي كمخرج أن يكون حاضراً في الحياة المسرحية من خلال مسرح الطفل بشكل عام، ومسرح العرائس بشكل خاص، ولذلك أنجز حتى الآن ثلاثة أعمال عرائسية خلال الأزمة السورية وهي “أرنوب صياد الثعالب-التنّين يبحث عن صديق” و”المغامرون في الأمازون” الذي يتابع عروضه اليوم على مسرح العرائس وبشكل يوميّ على فترتين، الأولى صباحية مخصصة للمدارس، والثانية مسائية، ويبيّن بدوي أن الاستمرار في تقديم أعمال للطفل يدخل الأمان إلى قلبه، في حين أن غيابها يدخل الخوف والقلق، والمفروض برأيه ألا نعوّد طفلنا على الخوف لأن الحياة يجب أن تستمر في سورية رغم صعوبة ما نمرّ به .وهذا ما يحرضه على التواجد في الساحة المسرحية ولو أنه يعترف أنه غير راضٍ بشكل عام عن عروضه، فما زال برأيه عرضه المسرحي الأول “أحلام نجمة” هو الأفضل فـ “أرنوب صياد الثعالب” في حين يبدو غير راضٍ عن عمله “التنين يبحث عن صديق”.. وعن تقييمه لأعماله يؤكد بدوي أن إقبال الجمهور على عمل من الأعمال ليس مؤشراً على نجاحه، خاصة وأن الطفل ليس سيد قراره، وقدومه إلى المسرح مرتبط بأمور كثيرة.. من هنا يشير إلى أنه ينتقد نفسه ذاتياً بشكل كبير، من خلال مراقبته  الدائمة لأدواته.
ويبيّن بدوي، وهو الذي ينحاز بشدة إلى مسرح الطفل بشكل عام ومسرح العرائس بشكل خاص، أن عمر جمهور مسرح العرائس، والذي يتراوح ما بين 5 إلى 8 سنوات، هو عمر تأسيسيّ، وهي مرحلة صعبة ولولاها لا يكتمل بناء الطفل، وبالتالي فإن الاشتغال على هذه المرحلة مسرحياً أمر ضروريّ وممتع وصعب لأنه يتطلب من الكاتب والمخرج الحذر في إعطاء المعلومة التي يجب أن تكون صحيحة مئة بالمئة وتقديمها بأسلوب فني مناسب وممتع لتصل بشكل صحيح إلى الطفل دون أن يشعر بالملل لأنه إذا شعر بالملل فإن سينفر من المسرح.. من هنا يعتاد بدوي في عمله كمخرج على تقديم مشهدية بصرية سينوغرافية والتركيز على موضوع الموسيقا في هذه الأعمال لأنها جزء أساسيّ منها، مؤكداً على ضرورة توظيفها بشكل صحيح لتكون في خدمة العرض ومقولته.
و”المغامرون في الأمازون” تستند  كما يشير بدوي إلى نص محلي كتبه كمال بدر يقدم معلومات علمية بطريقة فنية درامية غير مباشرة لأطفال المرحلة الأولى من 5 إلى 8 سنوات، والمسرحية تتضمن مغامرة تقوم بها مجموعة من الحيوانات في مقدمتهم القطّ المتهوّر والغزال الحسّاس إلى غابات الأمازون بهدف الحصول على المعرفة، وفي هذه الغابات تتعرف الحيوانات المغامرة على الدجاجة التي تبحث عن إحدى بيضاتها بعد أن اكتشفت ضياعها فيعرضون عليها المساعدة ويتبرع القطّ المتهور بالبحث عن بيضتها الضائعة، وفي بحثه يتعرف الأطفال على التمساح الذي يراه القطّ يخبئ بيضة فيعتقد أنها بيضة الدجاجة فيأخذها إليها لتخبره الدجاجة بأن هذه البيضة هي بيضة التمساح فيستغرب القط فتؤكد له الدجاجة أن بيضتها وبيضة التمساح تشبهان بعضهما في الحجم والشكل إلى درجة التطابق (معلومة تُقدَّم للطفل) فيتأهب الجميع استعداداً لقدوم التمساح غاضباً فيأتي طائر الزقزاق للوساطة بحكم صداقته المتينة مع التمساح، وهكذا يتعرف  الطفل على هذا الطائر الحقيقي المقرّب جداً من التمساح وهو الذي ينظف له عادةً أسنانه من بقايا الطعام للحصول على طعامه، كما ينبّه التمساح في حال تعرّضه للخطر، وهكذا تدور أحداث المسرحية ليتابع الأطفال كيف يعيد طائر الزقزاق البيضة للتمساح لتتعقد الحكاية أكثر بفضل تهوّر القطّ .. إذاً تقدم المسرحية هاتين المعلومتين وهما مناسبتان برأي بدوي للأعمار التي تتراوح ما بين 5 إلى 8 سنوات.

مشاهد سينمائية
ويوضح بدوي أن النص المسرحيّ المكتوب يتحول إلى عرض مسرحيّ بفضل ثقافة المخرج ومعرفته لهذا النوع من المسرح الذي يستند إلى بنيان بمواصفات معينة وعلى طرق فنية تقوم بتحويل الشخصيات المكتوبة على الورق إلى شخصيات حيّة يتفاعل معها الطفل، مشيراً إلى أنه وبعد قراءة النصّ كانت له بعض الملاحظات، وبفضل تعاونه مع الكاتب وتواصله معه توصلا إلى إنتاج نصّ جديد قابل للتجسيد، مشيراً إلى أن الممثل كان أيضاً جزءاً من فريق العمل، مبيناً أن الفجوة التي تكون عادةً بين النص المكتوب وقابليته للتجسيد سببها الكاتب، فهو مهما كان قريباً من الطفل يشطح الخيال عنده وينسى نفسه فيقدم مشاهد لا يمكن تأديتها على خشبة المسرح، وهذا أمر طبيعيّ لأن لغة الكتابة تشدّ الكاتب فيقع في مصيدتها، ولذلك وبالتعاون مع المؤلف الموسيقي سامر الفقير والفنان مأمون الفرخ خضع النص المكتوب للكثير من التعديلات بهدف تقديم مَشاهد سينمائية سهلة الفهم والاستيعاب، منوهاً إلى أن المشهدية عنصر أساسيّ في عروض مسرح العرائس، وهي في أعماله أهم من الكلمة لأن الكلمة قد تصل بأي شكل من الأشكال، ولكن تقديم رؤية فنية نظيفة هي ما يحبه الطفل الذي يغريه اللون والحركة والشكل.. من هنا يعمل على ذلك أكثر من اعتماده الكلّي على الكلمة لأن الفكرة البسيطة برأيه تكون غنية أحياناً بعناصر المشهد. ويأسف بدوي لأن الأفكار الفنية التي قد تخطر على بال المخرج بعد قراءة النص كثيرة، ومعظمها يكون غير قابل للتنفيذ بحكم أن العاملين في مسرح العرائس محكومون بمكان العرض الصغير والظروف الإنتاجية المحدودة، ومع هذا فإن رغبتهم في ألا ينقطع عن الطفل يحمسهم على العمل ضمن أي ظرف، فلا ذنب للطفل في أية مشكلة نعاني منها.

أمينة عباس