محليات

آليّة غير فعّالة لمكافحة الفساد

 

 

 

يكاد يجزم الكثيرون أن أحد أسباب انتشار الفساد يعود إلى قصور القوانين النافذة أو إلى عدم صدور تشريعات جديدة لمكافحته واجتثاثه من المجتمع.

والحجة هنا: لا مكافحة للفساد دون تشريعات فعّالة!.

نظرياً هذا الكلام صحيح ولن نجد من يناقضه ويدلي برأي معاكس، ولكن لا يعني هذا عدم وجود مثل هذا الرأي المعاكس!.

ربما كانت الولايات المتحدة من أكثر الدول التي صدرت فيها تشريعات لمحاربة الفساد، ومع ذلك تحتل مرتبة متقدمة في أنواع لا تخطر على البال من الفساد، وكبار الفاسدين في الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تطلهم التشريعات رغم كثرتها!.

وهذا الواقع جعل عدداً من الباحثين الأمريكان كفرانك أنشريكو وجيمس جايكوب اللذين درسا ظاهرة الفساد ومحاربته يتساءلون: تشريعات محاربة الفساد، هل تحارب الفساد بالفعل؟.

يعترف الكاتبان أن التشريعات القائمة لمحاربة الفساد لم تمنع حدوثه، وتكشف التجربة الأمريكية أنه كلما ظهرت فضيحة فساد جديدة ترتفع الأصوات لاتخاذها دليلاً على الحاجة إلى قوانين إضافية متجاهلين السبب الرئيسي وهو عدم كفاءة القوانين القائمة!.

وكلما ظهرت فضيحة فساد جديدة يظهر الشرخ في القوانين أكثر وضوحاً بحيث أصبح لدى الحكومة الأمريكية الآن العديد من تعريفات الفساد وخطط أكثر لمحاربة الفساد، ولكن لا شيء أكثر من ذلك!.

لاشك أن الفساد مشكلة ومحاربته تحدٍّ كبير يواجه كل الحكومات غرباً وشرقاً، ولكن مع ذلك لم تتوصل حكومة ما إلى صيغة فعّالة لاجتثاثه!.

ولا شك أن الفساد يهز ثقة المواطن بالحكومة ويضعف التزامه بقوانينها، لذلك نتفق دون أي مناقشة مع كل من يدعو إلى سن قوانين وتشريعات جديدة لمحاربة الفساد!.

وقد يصح هذا الأمر في بلدان لا توجد فيها مثل هذه التشريعات، أما في البلدان التي تشكو من تخمة في تشريعات محاربة الفساد، فالأجدى هنا إصلاح هذه القوانين لا زيادتها!.

ولا بأس هنا في الإشارة إلى أن معظم حكومات العالم تتبنى آلية واحدة تقريباً لمحاربة الفساد تستند إلى ثلاثية: المراقبة والسيطرة والعقاب!.

ولم يناقش أحد حتى الآن الخطأ في هذه الآلية وكونها منتجة للفساد والفاسدين، فعلماء النفس والاجتماع توصّلوا إلى نتيجة مذهلة: إذا وضعت العاملين في الحكومة طوال الوقت تحت المراقبة مفترضاً أنهم منحرفون وفاسدون، فسيتحوّلون بالتدريج إلى ذلك بالفعل لأنك توحي إليهم على مدار الساعة بأنهم منحرفون وفاسدون!.

والسؤال: أليس هذا ما يحدث فعلاً؟.

علي عبود