اقتصادتتمات الاولى

في ظل تنامي “المنغّصات”.. والظروف الاستثنائية.. صدى “دعم القرار” لا ينبئ بجدية التعاطي.. والحلول التقليدية السهلة لم تعُد ناجعة

لا يختلف اثنان على أهمية دراسة القرار والإحاطة بحيثياته وتفاصيله قبل اتخاذه ومدى انعكاسه على جوانب القطاع الموجّه إليه،  والمفاضلة بين إيجابياته وسلبياته على اعتبار أنه لا يوجد قرار إيجابي بالمطلق،  ولعلّنا لمسنا كمّاً هائلاً من القرارات التي يُفهم أنها صدرت عن جهات تبيّن أنها لم تحِطها بما يكفي من الدراسة،  لدرجة بات يُعتقد فيها أن بعض متخذي القرار غير مكترثين بما سيطول المواطن من منغصات باتت أقرب إلى المصائب،  بسبب بعض القرارات ولاسيما تلك المتعلقة بانفلات الأسعار والأسواق وتجييرها لمصلحة تجار برعوا في استغلال الأزمات بكفاءة عالية تحت مرأى معظم -إن لم نقل جميع- مفاصلنا الحكومية سواء المعنية منها أم غير المعنية،  كقرار رفع سعر المازوت على سبيل المثال لا الحصر الذي جاء عشية عطلة الأضحى الأخير،  وما ألحقه من فوضى في أسواقنا ساهمت في مضاعفة الأسعار تحت ذريعة ارتفاع حوامل الطاقة،  وذلك بعيداً عن الخوض في الحديث عن رقابة الأسواق ودور حماية المستهلك وما يترتب عليها من مسؤولية،  وذلك لكثرة تداول هذا الموضوع إعلامياً،  وعدم اكتراث المعنيين بما ينشر ويبث حوله،  وخاصة مسألة عدم الالتزام بتعرفة النقل الداخلي التي لم يستطع المعنيون حلها إلى الآن!.

تقارير ولكن..!
بالعودة إلى صنع القرار نبيّن أن مديرية دعم القرار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء هي الجهة المعنية بتزويد متخذي القرار في مفاصلنا التنفيذية بتقارير رسمية تصدر بشكل دوري،  وتتناول هذه التقارير حيثيات وتفاصيل قطاعنا الاقتصادي والخدمي وما يعتريها من مشكلات وتحديات وتجاوزات مدعّمة بمؤشرات وأرقام ومعطيات،  مضافاً إليها عدد من المقترحات التي توجب على متخذي القرار أخذها بعين الاعتبار والتدخل الفوري للمعالجة،  ولم يتسنَّ لنا الحديث مع أي من المعنيين في المديرية حول مدى تأثير تقاريرها على القرارات التي تصدر عن جهاتنا التنفيذية،  لاعتبارات تتعلق بتفضيل عدم تسليط الضوء على عملها من جهة،  وعدم إثارة أية حساسيات مع الجهات التي تزوّدها بالتقارير من جهة ثانية،  وفق ما أكدته لنا بعض المصادر.
للأسف يلحظ أن رجع صدى هذه التقارير بالمحصلة هو (صفر) على أرض الواقع،  علماً أن “البعث” اطلعت على بعض التقارير القديمة للمديرية والموجّهة إلى عدد من وزاراتنا ومؤسساتنا الحكومية، وللإنصاف وبعيداً عن أية مزاودة نبيّن أنها محرّرة بكل يسر وسهولة وبعيدة كل البعد عن أي تأويل أو تعقيد،  كي يتسنى لمتخذ القرار رؤية صورة القطاع المسؤول عنه بوضوح.

مقاربة
سنستعرض في هذه العجالة مذكرة عرض صادرة عن المديرية الآنفة الذكر –استطاعت “البعث” الحصول على نسخة منها وبشكل حصري- تتناول مقاربة لارتفاع أسعار أهم السلع الغذائية خلال الفترة من 12/6 إلى 3/7 /2013، وما تعانيه الأسواق من ارتفاع متصاعد لأسعار السلع الغذائية المستوردة تحت أكثر من ذريعة أهمّها انخفاض سعر صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية، في الوقت الذي تشير فيه البيانات إلى أن أسعار بعض السلع خلال تلك الفترة تجاوزت بنسبة كبيرة معدل ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة في السوق السوداء، الذي ارتفع من 168 إلى 222 خلال الفترة نفسها، أي بنسبة وصلت إلى 32% في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار بعض السلع بنسبة وصلت إلى 100% للرز الإيطالي، وكذلك الأمر للرز المصري،  و108% للزيت النباتي المستورد، و137.5% للسمن النباتي المستورد وغيرها من السلع المستوردة.
بيّنت المذكرة أنه من ناحية أخرى يلاحظ وجود تفاوت كبير بين الأسعار العالمية للسلع الغذائية المستوردة وأسعارها بالأسواق المحلية،  فسعر الكغ من زيت الصويا في بلد المنشأ بلغ 1.1 دولار -مع الإشارة إلى أن الكغ يساوي وزناً أكثر من ليتر- أي لا يتجاوز الـ244 ليرة وفقاً لأعلى سعر صرف في السوق السوداء وصل له الدولار خلال تلك الفترة (222 ليرة)،  إلا أن سعر الليتر في السوق المحلية وصل إلى 375 ليرة، وكذلك الأمر للرز الذي يساوي 0.5 دولار في بلد المنشأ أي لا يتجاوز 111 ليرة، علماً أن الدولة تقوم ببيع الدولار للقطاع الخاص لتمويل بعض المستوردات بسعر تشجيعي، وبالنتيجة يتضح أن هناك هامش ربح كبيراً لا يبرره ارتفاع سعر صرف الدولار، ولا تكلفة النقل والضرائب وغيرهما مهما بلغت، ما يدل على تفشي ظاهرة الاحتكار للسلع المستوردة.

غيض من فيض
ما سبق ليس إلا غيضاً من فيض ما يكتنف أسواقنا من تجاوزات وصلت حدّ الفلتان شبه المطلق، ويشير بشكل أو بآخر إلى أن جهاتنا المعنية تقتصر على تقديم الحلول التقليدية والسهلة ذات المفاعيل القصيرة الأجل، في وقت نحتاج فيه إلى حلول مبتكرة استثنائية تلائم ما نمر به من ظروف استثنائية، فعلى الرغم من إصدار عدد من المراسيم والقرارات القاضية بمحاسبة المتسبّبين بارتفاع الأسعار وتراجع سعر العملة وضبط الأسعار، إلا أن هذه القرارات لا تزال تحتاج إلى تفعيل وتطبيق جاد على أرض الواقع لردع المخالفين، الذين استساغوا غياب المحاسبة ليعيثوا فساداً في ظل غياب المنهجية العلمية في صناعة القرار الحكومي وآليات تطبيقه.
دمشق – حسن النابلسي