ثقافة

يامال الشام سينما .. غابت السينما ورُفعت الكؤوس

يا مال الشام سينما، الملتقى الذي كان يحتفي بالشعر في دمشق، أضاف لـنشاطاته الفنية يوماً للسينما، حيث اكتملت دائرة الفنون التي يقدمها “يا مال الشام” بعد الشعر والمسرح والغناء والحكاية، هاهي السينما في “الاندر غراوند”، تقدم فرجتها بين الكؤوس الصاخبة وصحون المازة في بار “مود” بدمشق.
أربعة أفلام عرضت في يوم السينما، أفلام قصيرة تراوح زمنها بين الدقيقتين كـ فيلم “عشى ليلي” لـ “غفران ديروان” وثماني دقائق -فيلم من (قلبي سلام) لـ “علي يوسف” و15 دقيقة -فيلم “غزل البنات”علي ياغي” وثلاثين دقيقة، فيلم توتر عال، سيناريو وحوار الصحفي والمخرج المسرحي والشاعر والسيناريست”سامر محمد اسماعيل” وإخراج “المهند كلثوم”، وهو فيلم من إنتاج المؤسسة العامة للسينما،أما بقية الأفلام الآنفة الذكر فقد صورت وأنتجت بجهود شخصية لشباب يخوض غمار السينما للمرة الأولى، يريد أن يدلي بدلوه وما يعتمل بنفسه، إما تقاطعاً مع الحالة الكارثية التي تحيا على إيقاعها البلاد بتوصيف تلك الحالة حسب الرأي الشخصي تارة، كما في فيلم “عشى ليلي” الذي قدمت فيه “ديوار” رأيها بطبيعة الصراع الدائر في بلدها، من خلال تصوير وليمة تمتد إليها الايدي، وتبدأ بالتهامها بالشوك والسكاكين، بإشارة واضحة إلى المجتمع السوري وما يجري فيه من تمزق بفعل الحرب. وتارة أخرى باقتراح حل أو رؤية لما يجب القيام به الآن لحل الأزمة،  كما في فيلم “من قلبي سلام” الذي صور لجندي يتخذ من كهف مسكناً له، يهبط من كهفه ويدفن “الكلاشينكوف” في قبر إلى جانب أحد الشهداء، ثم يقوم بنبش آلة كمان موسيقية من قبر آخر .الطرح الذي لاقى استهجان معظم الحاضرين، ولعل أبلغ ما قيل من أحد الحضور كتعليق على فيلم “ياغي”: البارحة ذبحت “داعش” 15 جندياً سورياً، وتريدنا أن ندفن “البارودة”.
أما فيلم “غزل البنات” فقد جاء بمثابة طرح هش لحالة المرأة بشكل عام، مقدماً إياها بصورة تحط من قدرها وتحصرها في كونها فقط آلة للمتعة، مسلوبة الإرادة وبلا أي روح سوى روح مهزومة.
تجارب أولى كما أسلفت، أخبر صُناعها عن ظروف إنتاجها الصعبة، في محاولة لتبرير الأخطاء الفنية الكثيرة التي وقعت تلك الأفلام فيها، من جهة التصوير والمونتاج والإخراج.

توتر عال
القصّة تسير على هذا الشكل: شاب يزور فتاة لقضاء بعض الوقت، إنهما يشتغلان بصناعة الفيلم، يقومان بمحاكاة أدوار من مسلسلات معروفة، تقوم بتبديل ملابسها وراء جدار شفّاف يحجب نظرات الرغبة، ثم تنقطع الكهرباء، فيذهب ليسرق من عمود للتوتر العالي – من  هنا أخذ الفيلم اسمه – فيتعرّض للصعق ويموت، مع شخصيّة صاحب الدكان التي لعبها “أديب قدورة”، وهي شخصية لم يكن لها داع، ولم تتدخل بالقصّة إلّا عندما يرفع كأس الخمر للقتيل، على طريقة أفلام الحروب، ذلك ما أضرّ بمنطقية القصة أو ما يُسمّى: القابلية للتصديق، فإذا كانت الكهرباء مقطوعة عن الحي فكيف سوف يجد الكهرباء في العمود ليأخذ منها خطّاً؟ الكهرباء مقطوعة عن الجميع، عن الحي وعن العمود، ثمّ إنّها تأتي فتصعقه، فكيف حدث ذلك؟ هل كان يشعر بأمان أنّه يوصل من عمود بلا كهرباء ولذلك سيبقى بأمان فوقع المحظور بأن جاءت الكهرباء؟ إذا كان ذلك صحيحاً فماذا كان يوصل إذا لم تكن الكهرباء موجودة، الكاتب لم يراع منطقية الأحداث.
الممثلان “الشاب والفتاة” أدى دورهما “علي صطوف” و”مي مرهج”، كانا  يشعران بالكاميرا، حيث بدا أداؤها ضعيفاً، سيما في المشهد الذي دخلا فيه من الباب وأوصداه خلفهما وبيده الفانوس، لقد كانا يقفان لثوان معدودة، وينظران الى الكاميرا أي إلى الجمهور،  لا نعلم لماذا؟ كسر الجدار الرابع مفهوم في المسرح وعند المشتغلين في المسرح، ولكن هنا ماذا يعني ذلك.
الممثلان يتحدثان بلهجة الساحل، ويؤدّي الممثل بضعة أبيات عتابا يغنيها فتأخذ حيّزاً طويلاً من زمن الفيلم، ينفعل في أحد المشاهد فيحاول أن يراود الفتاة فتصدّه، ذلك ما يفهمه الجمهور من السياق، وليس من الأداء الذي قصر عن التعبير وخرج بعيداً جدّاً عن هذا المعنى.
اللقطة الافتتاحية تأخذ قدمي الشاب في المطر، بلا مبرر، كان واقفاً فقط ليتصوّر، إن هذه السمة تهيمن على الأداء طيلة الفيلم، فيظهر الممثلان على علم بالكاميرا، وهذا من مواصفات التمثيل الضعيف.
مخرج الفيلم “المهند كلثوم”الذي قفز في أحد المشاهد من خلف الكاميرا الى أمامها “ربما تيمناً بـ الفريد هيتشكوك، الذي حرص على أن يظهر في معظم أفلامه” اعتمد خيار اللقطة الطويلة زمنياً “اللقطة المرحلة” فاقتربت بعض اللقطات لتبلغ دقيقة كاملة من دون تغيير موضع الكاميرا، هذا خيار جميل انسجم مع قصص أفلام الواقعية الايطالية الجديدة، وكان من سماتها كما في فيلم “روما مدينة مفتوحة” لـ “روسليني”،أما في “توتر عالي” لـ “الكلثوم” ، فإن هذه اللقطة تبدو حلاً إخراجياً لورطة ضعف التعامل مع المونتاج، وخشية المخرج أن يخوض في غماره، وهذا ما ظهر في معظم لقطات الفيلم، ذات الحوار الطويل والذي يتطلب لقطة تأخذ كامل وجه الممثل من الأمام، لا من جانبه، حيث تختفي الفروق بين التمثيل الجيد وبين التمثيل الرديء.
الولع بألعاب الإضاءة دفع مصمم الديكور إلى نصب جدار من اللمبات مع أن  لا شيء يشي بأن رأس السنة على الأبواب. فأدى ذلك الحاجز ذو اللمبات الصغيرة الملونة المتراقصة إلى تأثيث تشويش في الرؤية لدى الجمهور .الإضاءة في الفيلم يجب أن تكون للكاميرا تعمل من أجلها خادمة أمينة لها، وليس من مهامها أن تقف في وجهها لتتصور، أو تبدو وكأنها تعاندها وتشاكسها، فقفزت هي أيضاً من خلف الكاميرا إلى أمامها.
الفيلم الذي أخبر “إسماعيل” بأنه هجوم عنيف على الدراما التلفزيونية التي تعمل على سرقة أرواحنا، يكرس النظرة النمطية التي أرستها دراما العشوائيات، ولفقتها عن أهالي العشوائيات، فهم يسرقون الكهرباء ولا ينفكون عن الغناء والخمر، ولكن الخطأ الذي قام به من اختار موقع التصوير، بدلاً من العشوائيات وضعه في حي المهاجرين، ربما فعل ذلك ليحصل في المشهد الافتتاحي على طريق مرصوف بحجارة سوداء مع أمطار، وهي “كليشيه” كانت اشتهرت في عالم الفيديو كليب، مما أظهر فيلم العشوائيات هذا، يقع في المهاجرين ، فحماه من أن يبدو فيلم عشوائيات، وهكذا إذاً رب ضارة نافعة، من اختار موقع التصوير حَسّن من الفيلم من حيث لا يحتسب.
تمام علي بركات