اقتصادتتمات الاولى

صندوق النقد الدولي يحصي خسائر دول حذرت سورية منها في بداية الأحداث خبراء ومنظمات دولية يشيرون “مرغمين” إلى تعافي الاقتصاد السوري.. وصمود الليرة كان المستند

بدأت الحكومة السورية الخروج من اقتصاد الحرب منذ مطلع العام الجاري عبر إعادة الروح إلى قطاعات إنتاجية كانت شبه متوقفة ولمناطق صناعية قديمة عبثت بها يد التخريب والإرهاب، وأنشأت مناطق أخرى في مدن نعمت بالأمان.
ومن أولويات اقتصاد الحرب المرتكزة على تأمين المواد الأساسية كالوقود والغذاء، إلى نمو حجم الصادرات ونشاط أفضل في صناعات غذائية ومنسوجات، ومهن وحرف اشتهرت بها سورية منذ القدم، لتظهر بوادر التعافي على الاقتصاد الوطني ويخرج رويداً رويداً من مأزق الانهيار الاقتصادي –حسب ما كان مخططاً له في الخارج- إلى النهوض والانتعاش، ومن أكثر المؤشرات الدالة على تفادي الانهيار، من وجهة نظر مدير الدراسات والبحوث الاقتصادية في الشركة المتحدة للاستثمارات المالية بالأردن مازن أرشيد، التحسّن الذي طرأ على وضع الليرة السورية من 300 ليرة للدولار خلال صيف عام 2013، إبان تلويح الولايات المتحدة بشن ضربة عسكرية ضد سورية، ومع تراجع احتمالات الضربة وتدخل المصرف المركزي وقتها، عاد سعر الصرف إلى مستويات مستقرة تراوح حالياً بين 185 و191 ليرة.
وبدوره يوضح الخبير الاقتصادي جهاد يازجي أن التغيّرات السياسية العالمية الأخيرة التي كانت لمصلحة الدولة السورية عززت استقرار الليرة، كما ساهمت اتفاقية الخط الائتماني الإيراني التي وقعت نهاية تموز 2013 بناءً على اتفاقية بين سورية وإيران بقيمة 3,6 مليارات دولار، في تأمين مواد أساسية؛ وعزز من توجّه سورية نحو الاستقرار السياسي والأمني الاتفاق الضخم الذي وقعته شركة روسية مع سورية في كانون الأول من العام الماضي، للتنقيب عن الغاز والنفط في مياهها الإقليمية.

المكاسب
ومن هذا المنطلق رأى أرشيد أن سورية بدأت تقف على رجليها اقتصادياً ولا يمكن توقع أي انهيار اقتصادي بعد الآن، ويربط الخبير الأردني بين المكاسب العسكرية للجيش العربي السوري، ولا سيما منذ استعادة مدينة القصير الاستراتيجية في ريف حمص مطلع حزيران من العام المنصرم، وثبات المؤشرات الاقتصادية.. وعاد ليؤكد من جديد أن تحسّن وضع الليرة خلال النصف الأول من العام الجاري كان نتيجة المكاسب العسكرية على الأرض، إلا أن يازجي عدّد عوامل إضافية ساعدت الاقتصاد على الثبات، منها الحد الحكومي من النفقات الجارية، ومساعدات دول صديقة أعفت الحكومة من استيراد العديد من الحاجات الاستهلاكية.
وبعكس ما اشتهته رياح وحدة البحوث الاقتصادية في مجلة “الايكونومست” البريطانية في شباط الماضي، جرت مؤشرات سفن الاقتصاد السوري نحو التعافي، حيث توقعت أن يبلغ أدنى مستوياته خلال عام 2014، قبل أن يعاود النمو مع تأقلم المؤسسات الاقتصادية والمحلية مع الوضع العسكري، وذهبت “الايكونومست” في تحليلها -المغرض دون أدنى شك- إلى التنبؤ بالواقع الاقتصادي حتى عام 2018، حيث رأت أنه سيكون أقل حجماً بنحو الثلث مما كان عليه قبل الأزمة.

بالأرقام
بالمقابل ومع الانتعاش الاقتصادي الذي تظهره البيانات المالية الحكومية الرسمية السورية وتشير إليه مراكز اقتصادية عربية ودولية بالأرقام والنسب، أخذ “صندوق النقد الدولي” يحصي خسائر دول الجوار بسبب الأزمة، والتي كانت الحكومة السورية قد نبهت إليها وإلى تداعياتها منذ بدء الأحداث والاضطرابات عام 2011، وذلك بناء على موقع سورية “الجيوسياسي” ومركزها وثقلها الاقتصادي بمنطقة الشرق الأوسط، وذكر الصندوق في أحدث تقرير له الأضرار الجسيمة التي لحقت بالاقتصاد اللبناني، وأخطرها تقديرات تشير إلى أن نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في لبنان تراجع من متوسط 9 في المائة في الفترة الممتدة بين عامي 2009 و2010 إلى 1 في المائة عام 2013، وهو ما يرجع في الأساس إلى تراجع النشاط في قطاعي السياحة والعقارات، كما توقع التقرير أن يستقر النمو على مستواه المنخفض في نهاية العام الحالي، وانخفاض نمو الودائع المصرفية في سورية وفق حسابات الصندوق، من متوسط 18 في المائة في فترة 2009- 2010، إلى 7-8 في المائة سنوياً، بينما تراجعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلة إلى لبنان.
ولفت التقرير إلى أن تأثير الأزمة السورية في المالية العامة للبنان، تجاوز 2 بليون دولار 4.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في فترة 2012-2014، مع وجود حاجة إلى موارد إضافية قدرها 2.5 بليون دولار لإعادة الخدمات العامة إلى مستواها السابق.
وتوقع “البنك الدولي” أن ترتفع نسبة البطالة في لبنان بمقدار الضعف لتتجاوز 20 في المائة هذا العام، كما لاحظ البنك زيادة التفاوت بين الدخول.
وبالنسبة للعراق، بيّن التقرير أن الأزمة أثرت أيضاً بشكل حاد في العراق، من حيث الأوضاع الأمنية والتجارية، إذ تسبّبت التداعيات الأمنية في سورية بتصاعد العنف وزيادة الإنفاق الحكومي العراقي على الجوانب الأمنية والاجتماعية، وأثر تفاقم الموقف الأمني في النمو غير النفطي الذي توقع أن ينخفض إلى 4 في المائة في عام 2014، من متوسط 8 في المائة في 2013.

الموقع
وأدّت الأزمة السورية إلى تخفيض واردات العراق، سواء من سورية أو عن طريقها، حتى شارفت على التوقف بعد أن كانت تتراوح بين 15 و20 في المائة من مجموع الواردات قبل بدء الأزمة، كما تأثرت الإمدادات الغذائية بهذه التطورات، حيث كانت السلع الغذائية السورية الأكثر توافراً بالأسواق العراقية قبل الأزمة، وبسبب تراجعها إلى أدنى مستوى، ما أدّى إلى زيادة تضخم أسعار المواد الغذائية بشكل كبير؟!.
المملكة الأردنية الهاشمية كانت من المتضررات الكبريات في المنطقة من استمرار الأزمة السورية، التي فرضت ضغوطاً على الأوضاع المالية والاجتماعية والاقتصادية  في الأردن،  وقدّرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التكاليف المباشرة نتيجة الأزمة السورية بحوالي 1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، لعامي 2013 و2014 بالنسبة للقطاع العام، بما في ذلك زيادة مصاريف الأمن والرعاية الصحية، وفرضت الأزمة ضغوطاً على سوق العمل وخاصة في القطاع غير الرسمي، بينما انقطعت مسارات التصدير عبر سورية.
تداعيات ألمحت إليها الحكومة السورية مع إدراكها حجم المؤامرة التي تحاك ضد الدولة السورية، وتنبّأت بها وطالبت دول المنطقة والعالم بالتكاتف والتوحّد لمواجهة الإرهاب والتطرف الدولي قبل أن تقع الفأس على رؤوس اقتصادات الدول المجاورة بالمقام الأول ومن ثم تعمّ دول المنطقة. وأكدت الحكومة منذ البداية أننا قيادة وشعباً لدينا الخبرات الكافية للنهوض من جديد والتأقلم مع اقتصادات الحروب والتعافي والانتعاش ومن ثم النمو إلى مستويات ما قبل الأزمة، لأننا نمتلك كل المقومات والموارد البشرية والاقتصادية والاجتماعية الكافية للنهوض، وها هي ملامح هذا الانتعاش تظهر تدريجياً.
دمشق – سامر حلاس