اقتصاد

عدالة القسوة..!

نجزم بأن القانون مهما كان قاسياً فهو بالنتيجة يندرج تحت إطار التنظيم، وتنتفي عنه صفة القسوة في حال تطبيقه بعدلٍ على جميع الشرائح والقطاعات المستهدفة بعيداً عن الاستثناءات الناجمة عن المحسوبيات.
وهنا نستحضر مصطلح “عدالة القسوة” بمعنى أن يتساوى الجميع أمام قسوة أي قانون كان، وبالتالي فإن من يطولهم القانون سيبدون رضاهم من هذا القانون أو ذاك ولو بالحدود الدنيا، وذلك على اعتبار أنه لا يوجد رضا تام عن أي قانون كان.
نعتقد أن ما سبق يعتبر أهم خطوات الحدّ من مكافحة الفساد ومحاصرة رموزه، وخاصة أولئك المخضرمين بتسويق ما بات يعرف وفق قاموسهم بـ”تطبيق روح القانون” وتسييسه بما يتناسب مع مصالحهم الشخصية! مع الإشارة إلى أننا لسنا ضدّ الأخير في بعض الجوانب وخاصة تلك المتعلقة بالحالة الاجتماعية والإنسانية وليس الاقتصادية الاستراتيجية الكبرى، بمعنى أن ما ينطبق –على سبيل المثال لا الحصر- على مخالفة بناء لغرفة صغيرة في منطقة ريفية نائية تحقق أدنى مستلزمات السكن لعائلة ذات دخل متدني، لا ينطبق على مول تجاري مشيّد على حرم أتوستراد دولي عند أحد مداخل العاصمة..!.
“عدالة القسوة” هي بالمحصلة قانون ولكن من نوع خاص يتساوى على أعتابه الجميع، وصرامة تطبيقه تحقق بالمطلق انضباط وتنظيم سيرورة العمل الحكومي، وانعكاساته الإيجابية على جميع المناحي الاقتصادية والخدمية والإدارية والاجتماعية، في حين أن “ظلم القسوة” -إن صح التعبير– سيجلب المحن ويقلب الموازين ويرجّح كفتها لمصلحة النفوذ الأكبر، فضلاً عن إحداثها فوضى عارمة لن توفر باجتياحها أحداً..!.
يبقى أن نؤكد ضرورة أن يحمل ملف الإعمار بنداً يشدّد على هذه العدالة وخاصة مع ازدياد التوقعات بدخول شركات ضخمة محلية وأجنبية ستضطلع بمشروع الإعمار، وفي الوقت نفسه تتعالى التحذيرات من دخول بعض المنتفعين المتسلقين للحصول على حصة من كعكة الإعمار الدسمة، وبطرق يخشى أن تكون ملتوية على القوانين والتشريعات الناظمة، جاهلين أو متجاهلين أن الهدف الرئيسي للإعمار هو التنمية الحقة، وليس تحقيق مكاسب على حساب سوريتنا.
ونختم بالقول: بعيداً عن ذكر الأسماء، هناك شركات دخلت أيام الرخاء لتستثمر سورية بدلاً من الاستثمار في سورية، مستفيدة من المزايا الاستثمارية سواء المتعلقة بسنوات السماح والإعفاء والبيئة الاستثمارية الخام، أم بعلاقاتها مع بعض التنفيذيين الذين فضّلوها على نظرائها بموجب “روح القانون” وبعيداً عن مبدأ “التساوي بالمعاملة” الذي يتقاطع على ما نعتقد مع “عدالة القسوة”..!.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com