ثقافة

النقد العقيم.. ما المخرج؟

ألقى د. رضوان قضماني محاضرة في فرع اتحاد كتَّاب العرب في حمص بعنوان: “النقد العقيم.. ما المخرج”؟ وتحدث بداية عن ماهية معنى العقم والخصب وما ينشأ عنهما من تطوُّرات، العقم يقابله الخصب، والمخرج يقابله المدخل، فلا وجود لنقد خارج النص، فأي عمل إبداعي هو عمليَّة خلق للنص، وأي نقد له، هو عمليَّة كشف، والخلق والكشف إبداعان، والكشف الذي هو نتيجة لقراءة النص المكتوب يجعل القراءة مرتبطة بالتأويل، الذي يحتاج إلى الفهم.
عرَّج المحاضر على منشأ النقد القديم الذي اعتمد على الفلسفة في الميراث الإغريقي متمثِّلاً بمحاورات أفلاطون وكتابي (فن الشعر وفن الخطابة)لأرسطو، كما نشأ على هامش التأويل القرآني في الثقافة العربية، ومثال على ذلك عبد القاهر الجرجاني في كتابي (دلائل الإعجاز) و (أسرار البلاغة) مروراً بتطور المعرفة النقدية في مراحل صعود الحضارة العربيَّة الإسلاميَّة.
أما النقد الحديث، فقد كان مرتبطاً بالتنوير من خلال ظهور العديد من المؤلَّفات النقدية مثل: كتاب (تاريخ علم الأدب عند الإفرنج والعرب) وكتاب (منهل الورَّاد في علم الانتقاد) لقسطاكي الحمصي، وكتاب (الأدب الجاهلي) لطه حسين، وكتاب (ثورة الأدب) لمحمد حسنين هيكل. كما نلمس مدى علاقة النقد الأدبي العربي بالثقافة الغربية من خلال أسماء كثيرة: كالعقاد والمازني وميخائيل نعيمة ولويس عوض ومحمد مندور وغيرهم. تكلَّم المحاضر عن ظهور نقد أدبي جديد يكاد يختلف جذريا عن النقد القديم، وذلك في بداية النصف الثاني من القرن العشرين، فقد ظهرت أجناس أدبيَّة جديدة، شكَّلت دافعاً لظهور نقد جديد منها: الرواية والقصة والمسرحيَّة، وقصيدة الشعر الحر وقصيدة النثر. فتراثنا النقدي لم يعرف هذه الأجناس الأدبيَّة، فغابت عنه المعايير النقدية التي تتوافق معها، بحيث يمكن الرجوع إليها في حال تناول أي عمل إبداعي يخرج عن الأجناس الأدبيَّة القديمة، وهنا حالة تدفع إلى البحث والاستقصاء لممارسة نقديَّة تنبع من هذه الأجناس الإبداعيَّة سعياً إلى خلق صيغة نقدية خلاقة.
إن النقَّاد الحقيقيين ليسوا اتباعيين، بل مبدعين يؤسسون لحركة نقدية متطوِّرة انطلاقاً من وعي عال بالذات، وهذا ما يفرض وجود أدوات نقديَّة جديدة بعد مضي أكثر من قرن ونصف على ظهور تلك الأجناس الأدبيَّة. فتشكَّلت على إثرها دراسات نقدية جديدة، أضحت مع مرور الزمن تراثاً قابلاً للأخذ والردِّ أيضاً. وقد سعى النقد في النصف الثاني من القرن الماضي إلى أن يؤسس خطاباً نقديَّاً مطابقاً للخطاب الأدبي، فأخذ يفاضل بين النصوص وفق قاعدة من التحليل النصي واللساني من الأدب، لا على قواعد مستندة إلى علم البلاغة أو الاجتماع أو النفس.
وسُئل الدكتور المحاضر عن المخرج المناسب لنقد بنَّاء محكم، وأثير جدل حول نشوء مدرسة نقديَّة خاصة بالأدب العربي، ومدى تأثير الإيديولوجيات على المبدع والقارئ معاً، فأجاب: المخرج يكون في تأصيل النظرية النقديَّة أو ظهور مدرسة نقديَّة عربيَّة، فهذا التأصيل من وجهة نظره يعتمد على الإجابة عن عدَّة أسئلة منها: ما ماهيَّة اللغة؟ اللغة يجب أن تحقق وظائف عدَّة وإلا ستكون ثرثرة بلا شكٍّ.
إن أهم حلقة من حلقات اللغة هي نظريَّة الحجاج، نفهمها كما اعتمدها التوحيدي في مقابساته، وفي (الإمتاع والمؤانسة) يجب أن يصل إليك ما أريد قوله. كل مقابساته تبدأ بالإمتاع، أمتعك كي تحاورني، والحجاج ليس بأن أصفعك بحجَّة دامغة، بل أريدك أن تفهمني، ليكون لك حوار ما.
نوجه شكرنا للدكتور قضماني، ونتمنَّى عليه لو أنه خصص محاضرة في النقد المعاصر تبحث في قضايا إحجام المشتغلين بالنقد الأدبي عن التقدُّم بدراسات نقديَّة بنَّاءة حول ما ينتج من إبداعات أدبيَّة متنوِّعة في القصة والرواية والمسرح. فهل ابتعادهم عن النقد سببه هو أن ما ينتج لا يستحق الذكر، أم أنهم ما زالوا متمسِّكين بالمنتج الأدبي القديم الذي يعلو ولا يعلى عليه، أم أن هذا فيه جزء كبير من التنازل عن برجهم العاجي؟
نحن الآن نعيش حالة حرب لذلك علينا توجيه الأدب وصقله بالنقد، بالتَّقرب من الأعمال الأدبيَّة وخاصة الطفليَّة لأن الأطفال هم أساس النشأة الفكريَّة الصحيحة، وهم بحاجة إلى العمل الدؤوب لإنقاذهم من الضياع أمام هذا العالم الذي طغت عليه صفة الوحشيَّة وتعرَّى من ثوب الإنسان.
سريعة سليم حديد