اقتصاد

“سلعنة” المياه..؟

الناس شركاء في النار والماء والكلأ.. مقولة طالما تناقلتها الأجيال طوال قرون، وهي تُعبِّر في باطنها وظاهرها أن أساس مقومات استمرار الحياة ليست حكراً على أحد ويجب أن تبقى متاحة للجميع حتى زوال الخليقة.
لعلّ أهم أبرز هذه المقومات الثلاثة هو الماء، وما يؤكد ذلك أن الماء وكما هو معروف للجميع يشكل ما نسبته نحو 75% من الأرض والبشر، لكن هناك -على ما يبدو- اختراقاً واضحاً للحدّ من شراكة الناس في الماء، بدأ يتجلّى باتساع دائرة سلعنته التي لم تقتصر فقط على الفنادق والمطاعم، بل بتنا نلاحظ أن محلاتنا التجارية متخمة بماركات عديدة لعبوات مياه معدنية، وفي الوقت نفسه أضحت مدن ومناطق عديدة تفتقر لهذا العنصر -غير المقدر بثمن- وتلجأ إلى شراء عبوات كبيرة سعة الـ20 ليتراً وبأسعار تصل أحياناً إلى 40 ليرة لليتر الواحد، نتيجة عدم وصول المياه الصالحة للشرب إليها، ناهيكم عن مناطق أخرى تشتري المياه الكلسية لأغراض الغسيل وبأسعار ليست بالقليلة وتزيد عن 250 ليرة للبرميل الواحد.
سلعنة بالمحصلة لا تخدم إيجابية هذا المفهوم الاقتصادي بالشكل الذي يفترض، ما يعني إضافة أعباء مادية أخرى على المواطنين، وبالتحديد مواطني الدخل المحدود، خاصة الذين يعيشون في مناطق السكن العشوائي، في حين أن قاطني المناطق النظامية أحوالهم المعيشية جيدة -إن لم نقل ممتازة– تصلهم المياه الصالحة للشرب بأقل التكاليف، مفارقة تستدعي التدخل السريع لتأمين المياه للمناطق المحتاجة ولو بالحدود الدنيا.
لاشك أن الوضع المائي في بلدنا ليس على ما يرام نتيجة المتغيّرات المناخية خلال السنوات الأخيرة، ما يشكّل تحدياً جديداً للحكومة بات يستوجب ضرورة التوجّه نحو الري الحديث، ومحاسبة أصحاب الآبار الخاصة الذين لا يأبهون بهذه الثروة الوطنية، إضافة إلى وجوب أن نحكّم ضمائرنا عند إسرافنا لأية قطرة دون لزوم.
وهنا نؤكد على حتمية تكاتف المواطن مع الحكومة للحفاظ على ثروة لا تعوّض، كي لا نندم وقت لا ينفع الندم، ولاسيما أن وضعنا المائي أفضل من غيرنا من الدول التي تدنّت أشواطاً كبيرة عن خط الفقر المائي المقدّر بـ1000 متر مكعب للفرد سنوياً، حيث تبلغ حصة الفرد في الأردن على سبيل المثال 250م3 سنوياً، في حين حصة الفرد السوري لا تزال 900م3 سنوياً، وبالتالي يمكن أن نتدارك شح هذه الثروة إلى مستويات أكثر خطورة عبر الإدارة الرشيدة للاستهلاك.
نختم بالقول: لعل معظمنا لاحظ استحواذ موضوع انقطاع المياه في أغلب مناطق القطر على اهتمام وسائل الإعلام الوطنية، ونتمنى أن يستحوذ هذا الموضوع على اهتمام جهاتنا المعنية ولاسيما وزارة الموارد المائية، وخاصة لجهة أخذ زمام المبادرة باتجاه الإدارة الرشيدة شبه الملغية من قاموس تعاطينا مع هذه الثروة!!.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com