اقتصاد

فسيفسائية الدعم

نظرة خاطئة تجاه دور حكومتنا الأبوي رغم اعتمادنا اقتصاد السوق الاجتماعي، تملي على الدولة تقديم الرعاية والدعم المباشرين لجميع الشرائح، بدءاً من تأمين فرص عمل لجميع الخريجين، مروراً بتقديم المعونة الاجتماعية للأسر الفقيرة، وليس انتهاء برفع قيمة الدعم من مواد وخدمات أساسية..الخ، ما يثقل بالمحصلة كاهلها ويشوّه دورها وواجبها لاعتبارات تتعلق بالفساد والهدر وما ينجم عنهما من تشتيت وضياع للهدف المنشود.
ولعل هذه النظرة تكوّنت نتيجة التخبّط الواضح لمنظومتنا الاقتصادية التي لم تستطع حتى اللحظة اعتماد صيغة واضحة تناسب طبيعة اقتصادنا الوطني المتميز بفسيفسائية قطاعية فريدة من نوعها، فهو ليس سياحياً ولا نفطياً ولا زراعياً ولا صناعياً، وإنما هو مزيج من هذه القطاعات مجتمعة.
وعلى اعتبار أن قطار الإعمار قيد الانطلاق، نشير إلى أن فسيفسائية اقتصادنا هذه تستدعي بالضرورة التعاطي معها بآليات وبرامج من نوع خاص، بحيث تتم دراسة كل منطقة أو محافظة لمعرفة قدراتها وطاقاتها البشرية والطبيعية، وتفعيلها بما يضمن استثمارها وتنميتها بالشكل الأمثل.
في هذا السياق نستذكر التجربة الماليزية التي تعتبر بالفعل أنموذجاً يحتذى به، ولاسيما أن ظروف ماليزيا الاقتصادية كانت مشابهة إلى حد كبير لنظيرتها السورية قبل أن تصنف كأحد نمور آسيا الاقتصادية، وذلك نتيجة خطة اقتصادية إدارية عبقرية تم من خلالها تحفيز كل فئات الشعب والمفاصل الحكومية على العمل كل حسب موقعه وقطاعه، بعد سبر أغوار سكان كل إقليم لمعرفة طاقاتهم وتوجّهاتهم الحياتية العلمية والعملية، وبناء عليه تم تسخير طاقاتهم بعد تقديم الدعم غير المباشر لهم وفق تطلعاتهم وبما يتواءم مع التوجّه الاقتصادي العام، مع التركيز على تشجيع المشروعات المتوسطة والصغيرة، ومنح تسهيلات مصرفية وإدارية بعيدة عن الروتين والبيروقراطية.
ولإسقاط هذه التجربة على مشهدنا الاقتصادي ينبغي على سلطاتنا التنفيذية إعادة النظر بمسألة الدعم وهيكلته ضمن أطر وبرامج تحقق وصوله إلى مستحقيه من جهة، وتمكنها من القيام بدورها الأبوي برؤية تتناسب مع اقتصاد سوق يتماشى مع التطوّر الاقتصادي العالمي من جهة أخرى، فذلك أجدى في تحقيق عدالة اجتماعية وتنمية اقتصادية، تكونان بمنزلة الرافعة الحقيقية لاقتصاد يتمتع بأرضية خصبة تجعله أكثر أمناً وأشدّ أزراً.

حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com