ثقافة

التكوينات النحتية والتشكيل اللوني في جمالية فنية متألّقة

النحت عالم يشفّ عن حالة خلّاقة من الإبداع، فيعكس انطلاق الروح نحو حالات من فوضى الحواس، لتنسكب على مواد هلامية اللب، مادية التكون، فتظهر الحواس، وقد انساقت نحو قالب ما، في اصطفافية جمالية رائعة.
وإلى جانب المعروضات النحتية تمتد اللوحات التشكيلية بما تحمل من عمق في الإحساس، وفنية وافرة من العطاء اللوني، وقد فتح المركز الثقافي في مدينة حمص أبوابه لمعرض من التكوينات النحتية، واللوحات التشكيلية بمشاركة من الفنانين التشكيليين: (إياد منيف البلال، وأحمد الصوفي)، وقد حفل المعرض بحضور رسمي، وشعبي، وبجمهور غفير من المهتمين بالحركة الفنية التشكيلية.
وللنحات (إياد منيف البلال) حضور مميز يشفّ عما عاشه فنياً من تألّق للروح عبر العديد من القطع النحتية موزّعة على مواد: البرونز، والبولستر، والخشب، والرخام الاصطناعي، والجص أيضاً.
وفي وقفتنا معه حدثنا الفنان البلال عن تكويناته الفنية التي تعتمد على دينماكية الحركة للإنسان والعناصر، وهي محاولة لمقولة الإنسان الخارج من رماده كطائر فينيق، محاولة للحركة وليس للجمود، ففي أغلب التكوينات يحضر جسد الإنسان باعتباره مادة الفن الأولى وغايته، كما أخبرنا الفنان عن ميله الكبير نحو مادتي الحجر، والبرونز، لأن من مواصفتهما الديمومة، وقد شغل الإنسان القديم عليهما، فسجّل بهما ذكراه الخالدة.
وتتضح الأسطورة بشكل كبير في أعماله، ما يوحي بأنه يمتلك عمقاً ثقافياً تاريخياً كبيراً، خاصة فيما يتعلّق بالأساطير، وقد كان استخدامه للألوان شبه محدود في أعماله بشكل عام، حيث ظهرت بالثوب البني، وتدرجاته، وبالثوب الأزرق، وتدرجاته أيضاً، فوضعنا الفنان أمام لونين أساسيين في الطبيعة هما: السماء، والتراب.
أيضاً لم تغب عن مخيلة الفنان ما حدث من مجزرة قاسية بحق طلاب مدرسة (عكرمة المخزومي)، فجسد هذا العمل في تكوين جصي، مستخدماً الخشب أيضاً، وقد ظهرت أسماء الأطفال الشهداء على العمل الفني مع انطلاقة مدهشة لحمائم السلام.
وكان اتجاه الفنان (البلال) نحو فن النحت منذ طفولته، فقد شارك في عمليات ترميم البيوت الطينية التي كانوا يسكنونها في قرية متواضعة شرقي مدينة حمص، هي قرية (الشعيرات) البسيطة في تكويناتها الجغرافية، تلك المادة الطينية هي من أشعلت بين يديه حب التكوين الجمالي في التشكيل، والنحت.
أما الفنان التشكيلي أحمد الصوفي فلم تغب عن مخيلته ظواهر الأزمة التي تعمّ البلاد، فهي واضحة جلية من خلال الألوان الشاحبة، أو لنقل الألوان الرمادية التي طغت على العديد من لوحاته، وخاصة لوحات (البوتريه)، والتي أخذت مساحة كبيرة من المعرض، وقد نضحت اللوحات ببعد نفسي من حزن، وبؤس، وكآبة، وغضب، وألم، وهذا دليل ثابت على التفاعل الحسي العميق المغموس في قلب الأزمة، والذي تجلّى واضحاً في العديد من اللوحات.
وقد اعتمد الفنان (الصوفي) على المدرسة التجريدية، وهذا ما يعطي المتلقي بعداً في الخيال، ونسبة وافرة من الرسم اللامرئي في داخله، ليكوّن لنفسه لوحته الخاصة به.
وفي لقائنا مع الفنان (الصوفي) حدثنا عن دور الفن كنتاج إنساني راق ضمن حالة الفوضى التي يعيشها المجتمع اليوم، فمن الطبيعي أن يتحول نشاط الفنان، ووعيه، وثقافته باتجاه تركيب، وتحليل الأزمة، ومفرزاتها، وإعادة صياغة مفرداته التشكيلية، بما يعبّر عن جوهر موقفه كفنان، فيحاول صياغة الخطوط، والألوان ذات المدلولات الفنية، فيخرجها عن نظامها التقليدي، ليدخلها في حالة تعبيرية جديدة.
وعن سؤالنا إياه عن سبب رسم الوجوه في لوحاته بشكل حزين، وهذه ظاهرة عامة لديه في المعرض، رغم أن كلامه يطغى عليه جانب تفاؤلي، قال: الوجوه الحزينة البائسة هي انعكاس حي لما يعيشه الإنسان السوري في هذه المرحلة، أما اللون، والخط اللذان يحملان قوة إيحائية كبيرة، فهما امتداد، وانعكاس للحالة النفسية لدي، ليتحولا في النهاية إلى وسيلة تعبيرية، أخاطب من خلالها وجدان، وفكر المتلقي، فأنا لا أعيش حالة من التناقض ما بين الرسم، والتفاؤل، بل هي حالة جدلية ما بين الواقع البائس، والطموح، ما بين الأسود، والأبيض.
الفنان التشكيلي (أحمد الصوفي) خريج كلية الفنون الجميلة في دمشق، قسم التصوير الزيتي، عضو اتحاد الفنانين التشكيليين في سورية، له العديد من المعارض الفردية، أبرزها: (غاليري زمان) في بيروت، ومعرض في صالة الشعب في حمص، وآخر في صالة النهر الخالد.
سريعة سليم حديد